البحرين: المنع من السفر عقوبة خارج نطاق القضاء

إن استمرار استخدام المنع من السفر في البحرين، دون سند قانوني أو رقابة قضائية فعالة، يمثل، بحد ذاته، انتهاكاً جسيماً لحقٍّ من الحقوق اللصيقة بحقوق الإنسان الأساسية. ويمكن اعتباره شكلاً من أشكال العقوبة الجماعية أو وسيلة للعقاب الانتقامي، عندما يتحول إلى أداة للضغط السياسي أو للانتقام من المعارضين والناشطين الحقوقيين والاقتصاديين. إن استخدام السلطات البحرينية لهذا التدبير على هذا النحو، يتنافى مع التزاماتها الدولية، بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. إن الحق في حرية التنقل والسفر هو حق أصيل لا يجوز تقييده إلا وفقاً لضوابط صارمة ومحددة بموجب القانون، ولأسباب استثنائية تقتضيها الضرورة الملحّة، وبما يتوافق مع مبدأ التناسب، وتحت إشراف قضائي فعال. إلا أن ما تشهده البحرين حالياً هو غياب هذه الضوابط والإجراءات، وتحويل هذا الحق الأصيل إلى أداة انتقامية بيد السلطة التنفيذية، دون مراعاةٍ لأبسط معايير العدالة والشفافية.

إن فرض المنع من السفر من قبل وزارة الداخلية أو النيابة العامة، أو أية جهة إدارية أخرى، دون قرار قضائي مسبب، يُعد انتهاكاً واضحاً لسيادة القانون، ويقوّض استقلال القضاء. كما أنه يفتح الباب واسعاً أمام الانتهاكات، بما فيها الابتزاز السياسي والاقتصادي، والضغط النفسي والمعنوي على الأفراد وأسرهم. كما أن طول مدة المنع، وغياب أي إطار زمني محدد له، أو آلية فعالة للطعن فيه، يجعل من هذا التدبير عقوبة مستترة، لا تقل قسوة عن العقوبات السالبة للحرية، بل قد تفوقها أثراً على حياة الأفراد وأرزاقهم.

ولعل أخطر ما في الأمر أن المنع من السفر، رغم أنه يُقدَّم في أحيان كثيرة على أنه إجراء “وقائي” أو “احترازي”، إلا أنه في الواقع يمثل، في غياب الضمانات القضائية، أداة قمعية بيد السلطة التنفيذية، تُستخدم للتضييق على المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وإسكات أصواتهم، وحرمانهم من المشاركة في المحافل الدولية، ونقل معاناتهم إلى الخارج.

ولذلك، فإننا ندعو السلطات البحرينية إلى اتخاذ الخطوات العاجلة التالية:

  • مراجعة شاملة للتشريعات الحالية ذات الصلة، بما يضمن توافقها مع أحكام الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
  • تحويل القيود والتدابير الوطنية لضمان أن أي تقييد لحرية التنقل لا يقع إلا بأمر قضائي مسبب، قابل للطعن أمام محكمة مستقلة.
  • إنشاء آلية فعالة تتيح للأفراد الحق في قرارات المنع من السفر، والاطلاع على مضمونه، ومعرفة أسباب القرار، والاعتراض عليه ضمن أطر زمنية معقولة، بما يضمن لهم محاكمة عادلة.
  • التحقيق في الحالات السابقة التي تم فيها إصدار قرارات منع السفر لأسباب سياسية، وجبر ضرر الضحايا، ومحاسبة المسؤولين عنها.
  • تعزيز دور المؤسسات القضائية، وضمان استقلالها في مواجهة القرارات التعسفية غير المستندة إلى أحكام قضائية.
  • احترام التزامات البحرين الدولية في مجال الحق في حرية التنقل والسفر، وتقديم تقارير شفافة حول الإجراءات المتخذة، وضمان تنفيذ التوصيات الصادرة عن الآليات الأممية ذات الصلة.

ختاماً، فإن المنع من السفر ليس استثناءً قانونياً جائزاً، بل هو جريمة حين يُستعمل دون مسوغات قانونية واضحة، أو يصدر عن جهة غير قضائية، خارج إطار مبدأ سيادة القانون. إن استمرار هذا الوضع في البحرين يكرس ممارسات استبدادية، وينتهك الحقوق الأساسية للمواطنين، بما فيها الحق في حرية التنقل، ويجعل من البحرين دولة خارجة عن القانون الدولي، في الوقت الذي يتعين فيه عليها الالتزام بأحكام الدستور والمواثيق الدولية التي انضمت إليها، وتطبيقها بما يحفظ الحقوق ويصونها.

تحميل قراءة