البحرين: منع الشيعة من أداء صلاة الجُمُعة

التقرير كاملاً | رابط PDF

تمهيد:

في سياق تفجٌّر ما عُرف بثورات الربيع العربي، شهدت البحرين أكبر موجة احتجاجات شعبية سلمية في تاريخها، في فبراير 2011، للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية جذرية. ورداً على ذلك، قمعت السلطات البحرينية تلك الاحتجاجات وتسبَّبت في مقتل عشرات الأشخاص بالأسلحة النارية، بينما قضى عدد منهم تحت وطأة التعذيب. كما اعتقلت السلطات آلاف الأشخاص، وفصلت آلاف العمَّال والطلبة من وظائفهم ومدارسهم بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات أو لمجرد الاشتباه في تأييدهم لها.

ورضوخاً أمام الضغوط الدولية، أنشأت السلطات البحرينية، في يوليو 2011، اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق للتحقيق في مزاعم الانتهاكات التي خلَّفتها عمليات القمع للاحتجاجات. وفي نوفمبر 2011، أصدرت اللجنة تقريراً موسَّعاً يؤكد استخدام السلطات للقوة المفرطة، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، وفرض قيود على حرية التعبير والتجمع السلمي، وهدم 38 مسجداً للشيعة، وقدَّم التقرير العديد من التوصيات لتجاوز هذه الأزمة.

طوال الخمس السنوات الماضية، دأبت السلطات البحرينية على ترويج الانتهاء من جميع توصيات لجنة تقصي الحقائق، إلاَّ أنَّ العديد من التقارير الحقوقية المستقلة، فضلاً عن رأي رئيس اللجنة البروفيسور محمود شريف بسيوني فنَّدوا ذلك. وعلى العكس من ذلك، فإن التطورات على الأرض تكشف سعي السلطات الحثيث لإنهاء حالة المعارضة وإسكات الأصوات المطالبة بالتحول الديمقراطي بنفس الطرق والأساليب التي أدانها تقرير لجنة تقصي الحقائق.

آخر تلك التطورات، كانت مع مطلع يونيو 2016، حين قادت السلطات حملة قمعية واسعة النطاق ضد المعارضة بشكل عام، وضد المواطنين الشيعة بشكل خاص، بسبب انتماء غالبيتهم إلى قواعد المعارضة وقياداتها. وكان أبرز ما تمخَّضت عنه تلك الحملة: حلُّ جمعية الوفاق الوطني الإسلامية (كبرى الجمعيات السياسية المعارِضة)، وتغليظ عقوبة أمينها العام الشيخ علي سلمان بالسجن لمدة 9 سنوات بدلاً من 4 سنوات على خلفية تهم تتعلق بحرية التعبير والرأي، وحلُّ جمعية التوعية الإسلامية (ثاني أكبر مؤسسة دينية للشيعة بعد المجلس الإسلامي العلمائي المُحلَّ أيضاً) بسبب اتهامات تتعلق بجمع أموال بدون ترخيص وغسلها. كما عمدت السلطات البحرينية إلى استهداف وملاحقة الأصوات التي تنتقدها بدءاً من علماء الدين والخطباء الشيعة، وليس انتهاءً بالنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وتضييق على أنشطتهم. وبلغت الحملة القمعية ذروتها، في تاريخ 20 يونيو 2016، مع تجريد الزعيم الروحي للطائفة الشيعية في البحرين آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم من جنسيته، واتهامه لاحقاً بجمع أموال دون ترخيص وغسلها. (أنظر تقرير (سلام): استكمال “المهمة الفاشلة”)

 إزاء هذه التطورات، اعتصمت أعداد غفيرة من المواطنين الشيعة في محيط منزل آية الله قاسم، في بلدة الدراز، احتجاجاً على تجريده من الجنسية، واستشعاراً لاستهداف طائفتهم في وجودها. ورداً على ذلك، قامت السلطات بتدابير قمعية جديدة لمحاصرة بلدة الدراز، وللحؤول دون وصول المحتجين لمنطقة الاعتصام، حيث أحالت العديد من الأشخاص للمحاكمة أو فتحت تحقيقات أولية بهدف معاقبة وترهيب الأفراد لممارسة حقهم في التجمع السلمي والتعبير عن الرأي. كما فرضت قيوداً غير ضرورية أو غير متناسبة على الاتصال بشبكة الإنترنت و على حرية التنقل. (أنظر تقرير (سلام): “البحرين: تجريم حرية التجمع السلمي”)

تسلِّط (سلام)، في هذا التقرير، الضوء على أحد أهم التداعيات الناتجة عن تقييد حرية التنقل في منطقة الدراز، وهو: منع أكبر صلاة جمعة وجماعة للمواطنين الشيعة في البحرين. ]تتميز صلاة الجمعة عن سائر الصلوات اليومية بانعقادها في يوم الجمعة ووجوب إلقاء خطبتين قبلها[. ويخلص التقرير إلى أن السلطات البحرينية منعت صلاة الجمعة والجماعة في الدارز، لحوالي 6 أشهر، دون أسباب واقعية، أو مبررات قانونية، وأنها بيَّئت ظروف الأزمة الراهنة لفرض مزيد من القيود على الحريات الدينية للمواطنين الشيعة، لانتماء غالبيتهم إلى قواعد المعارضة وقياداتها.

نقطة التوتر واندلاع الأزمة:

يمكن اعتبار نقطة التوتر، واندلاع الأزمة الراهنة، إلى دعوى حل جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في تاريخ 14 يونيو 2016؛ إذ بعد هذا التصعيد تدحرجت كرة الأزمة الراهنة إلى العديد من التطورات التي لم تتوقف عند تجريد الزعيم الروحي للطائفة الشيعية في البحرين آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم من جنسيته، واتهامه لاحقاً بجمع أموال دون ترخيص وغسلها.

بعد حل جمعية الوفاق، تدوالت وسائل التواصل الإجتماعي، بتاريخ 15 يونيو 2016، معلومات تشير إلى قيام السلطات البحرينية بمنع الشيخ محمد صنقور عن الخطابة في مسجد الإمام الصادق بمنطقة الدراز، وهو المسجد الذي تُعقد فيه أكبر صلاة جُمُعة للطائفة الشيعية في البحرين، والمسجد الذي كان آية الله الشيخ عيسى قاسم يؤدي فيه الصلاة قبل توقُّفه لأسباب صحية.

وعلى ما يظهر من سياق الأحداث، فإن السلطات البحرينية اتخذت من منع الشيخ صنقور عن الخطابة خطوة استباقية لمنع الخطابة في مسجد الإمام الصادق ، لما يمثله منبر هذا المسجد من رمزية لخطاب لآية الله قاسم الذي يمكنه استقطاب جماهير المواطنين الشيعة وتمثيلهم.

إزاء تلك الأحداث، استشعرت الطائفة الشيعية بتصاعد وتيرة استهدافها، حيث بدا أن السلطات تجاهر بضرب مؤسساتها السياسية والدينية وزعيمها الروحي، فقامت بتعطيل صلاة الجُمُعة لأجل غير مسمَّى، “لعدم توفُّر أجواء الأمن”، حسب ما جاء في بيان أصدره جمع من علماء الطائفة.

إلى تاريخ 15 يوليو 2016، عادت صلاة الجُمُعة في مسجد الإمام الصادق ، وعادت الصلوات، مجدداً، إلى كافة المساجد، كما عاد الشيخ صنقور إلى إلقاء خطبة الجمعة وإقامة الصلاة في مسجد الإمام الصادق . ونظراً لمحاصرة منطقة الدراز على خلفية الاعتصام المفتوح حول منزل آية الله قاسم، منعت السلطات مئات المواطنين الشيعة من تمكينهم لأداء صلاة الجمعة، بينما اضطر العديد منهم إلى محاولة الدخول للمنطقة مشياً على الأقدام عبر طرق فرعية، خارجة عن سيطرة رجال الأمن.

ورغم ما تضمنته خطبة الشيخ صنقور – المعروف بخطابه الإصلاح والمعتدل (أنظر صحيفة الوسط: أ، ب، ج، د)  – من دعوة لـ “مد الجسور والتحاور” بين الشعب والسلطات، إلاَّ أن الأخيرة لم ترَ جواباً غير اعتقاله، بتاريخ  17 يوليو 2016، وإخلاء سبيله بعد يوم واحد من احتجازه، حيث وُجهت له تهمتا “التحريض على كراهية النظام” و”ممارسة الخطابة بدون تصريح”. ولعدة مرات بعد إخلاء سبيله، حاول الشيخ صنقور الدخول لمنطقة الدراز لأداء الصلاة، إلاَّ أنه كان يمنع.

ومنذ الجمعة التالية لإيقاف الشيخ صنقور، بتاريخ 22 يوليو 2016، حتى كتابة هذا التقرير فإن السلطات البحرينية منعت إئمة الجُمعة والجماعة، فضلاً عن المصلين، من أداء صلاة الجمعة في منطقة الدراز. وحسبما سجلته (سلام) فإن السلطات البحرينية منعت أداء صلاة الجمعة والجماعة في مسجد الإمام الصادق في الدراز، لـ 21 مرة خلال 6 أشهر، وذلك منذ 11 يوليو 2016 حتى 16 ديسمبر 2016.

 

مبررات منع الصلاة:

بعد إيقاف الشيخ صنقور عن أداء الصلاة الجمعة بمسجد الإمام الصادق ، قام عدد من علماء الدين الشيعة، في مرات عديدة ومتتالية طوال الستة الأشهر الماضية، بمحاولة الدخول إلى منطقة الدراز لأداء الصلاة، بصفتهم الأئمة البدلاء للشيخ صنقور، إلاَّ أن رجال الأمن كانوا يرفضون السماح لهم بالدخول.

إزاء هذا الوضع، وما تمخَّض عنه من ضغط إعلامي محلي على السلطات، اضطرت وزارة الداخلية لنفي منعها صلاة الجمعة والجماعة في الدراز، وذلك في تصريحين أحدهما في 22 يوليو 2016، بعد الافراج عن الشيخ صنقور، وثانيهما في 30 أغسطس 2016 بسبب تزايد الضغط الإعلامي.

في التصريحين المشار إليهما، فإن الوزارة رأت فيما يتم تداوله إعلامياً بشأن منع صلاة الجمعة لا يعدو كونه “شائعات (..) حيث أقيمت الصلاة، وأداها المصلون ولم تتلقَّ ]الوزارة[ اتصالاً من أي جهة بخصوص خطيب الجمعة”. وهو أمر تنفيها الشهادات التي تحصلت عليها (سلام)، بشأن بمنع إمام الجمعة البديل للشيخ صنقور، ومنع المصلين. ويبدو من ظاهر التصريحين، أن الوزارة عمدت لتضليل الرأي العام، حيث ادَّعت إقامة صلاة الجمعة، بينما لا تقوم صلاة الجمعة إلاَّ جماعة وبإلقاء خطبتين.

من جانب آخر، فقد قالت الوزارة أنها لم تتلقَّ “أيَّ اتصال من أي جهة بخصوص خطيب الجمعة” في التصريح الأول، بينما قالت في التصريح الثاني أن الجهة المعنية لم تتقدم “باسم خطيب الجمعة البديل والمعتمد لتسهيل عملية دخوله”، وذلك لأن “إجراءات الضبط والسيطرة المطبقة حالياً تعود إلى تجمع غير قانوني داخل القرية”.

رغم نفي وزارة الداخلية منع الصلاة، إلاَّ أنها تقول أن منع إمام الجمعة البديل من دخول منطقة الدراز، أي تعطيل الصلاة عمليَّاً، حدث بسبب عدم إبلاغها باسم الإمام البديل. ومرة أخرى، فإن الشهادات التي تحصلت عليها (سلام) تنفي ذلك، وتفيد بإبلاغ رجال الأمن عن أسماء الأئمة البدلاء. وبغض النظر عن حيثية إبلاغ الوزارة بأسماء الأئمة البدلاء، فإن أصل تقييد حرية ممارسة الأشخاص لعباداتهم وشعائرهم انتهاك مخالف لحرية المعتقد المكفولة في المادة (18) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فضلاً عن مخالفته للقانون المحلي، كما أنه تبعة لتقييد حرية التنقل؛ الأمر الذي يرحج أن السلطات وظَّفت الأزمة الراهنة لفرض مزيد من القيود على الحريات الدينية للمواطنين الشيعة، لانتماء غالبيتهم إلى قواعد المعارضة وقياداتها.

النتائج والتوصيات:

أ‌)     النتائج:

  • منعت السلطات البحرينية المواطنين الشيعة من ممارسة شعائرهم الدينية، المتصلة بإقامة صلاة الجمعة والجماعة لحوالي 6 أشهر، بما يخالف حق الأفراد في حرية المعتقد المكفولة في المادة (18) من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
  • بيَّئت السلطات البحرينية ظروف الأزمة الراهنة لفرض مزيد من القيود على الحريات الدينية للمواطنينالشيعة، لانتماء غالبيتهم إلى قواعد المعارضة وقياداتها.
  • قامت وزارة الداخلية بتضليل الرأي العام، حيث نفت قيامها بمنع أئمة الجمعة والمصلين من الدخول لمنطقة الدراز لإقامة صلاة الجمعة والجماعة، وقدَّمت معلومات تضليلية على موقعها الإلكتروني.

ب‌)  التوصيات:

  • على السلطات البحرينية أن تتراجع عن القيود المفروضة على حرية التنقل في منطقة الدراز فوراً، وتسمح للمواطنين الشيعة بممارسة شعائرهم الدينية فيها، لا سيما أداء صلاة الجمعة، حيث تقام أكبر صلاة جمعة وجماعة.
  • ينبغي للمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أن يمارسوا دوراً ضاغطاً، عبر مخاطبة السلطات البحرينية، لوقف الإنتهاكات المتعلقة بمصادرة وتقييد حرية المعتقد، الواقعة على المواطنين الشيعة.
  • يأمل من المقرر الخاص للحريات الدينية في مجلس حقوق الانسان العمل على اعداد تقرير شامل عن الإضطهاد للمواطنين الشيعة في البحرين ومنعهم من إقامة فريضة صلاة الجمعة لعرضه على مداولات المجلس في دوراته القادمة.

يجب على دول الأعضاء في مجلس حقوق الانسان طرح موضوع إضطهاد المواطنين الشيعة في البحرين ومنعهم من إقامة فريضة صلاة الجمعة في الجلسة الخاصة للإستعراض الدوري الشامل للبحرين المزمع عقدها في شهر مايو 201

التقرير كاملاً | رابط PDF

This entry was posted in Uncategorised. Bookmark the permalink.