بين حل جمعيات المجتمع المدني ومحاكمتها: متى تتصالح البحرين مع مجتمعها المدني والديني؟

كتبه محمد سلطان*

كناشط حقوقي أراقب عن كثب الانتهاكات العامة التي تحدثها الجهات الرسمية في بلدي البحرين ومن بينها التي تحصل ضد المؤسسات الأهلية والدينية، وفي كل استهداف أسأل نفسي هل تخاف الدولة من مجتمعها المدني؟

إن الحكم النهائي الصادر مؤخراً عن محكمة التمييز ضد ثلاثة من مسؤلي جمعية التوعية الإسلامية والذي يقضي بحبس ثلاثة من أعضاء إدارة الجمعية 6 أشهر، مع مصادرة أكثر من 168 ألف دينار بحريني، على خلفية اتهامات تتعلق بجمع أموال دون ترخيص وإنفاقها في غير الغرض المخصص لها -بحسب التهم الموجهة من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، يسلط الضوء مجددًا على العلاقة المضطربة وعدم الثقة بين المجتمع المدني في مملكة البحرين و الدولة، ويثبت سياسة تقييد عمل المؤسسات الأهلية والمراكز الدينية من خلال هيمنة حكومية و وصاية على عمل المجتمع المدني، ولكن هذه المرة من خلال السلطة القضائية.

تم حل جمعية التوعية في يونيو 2016، وفي يونيو 2022 الغت السلطات البحرينية قرار الحل وسمحت لهم العمل مجدداً، و بين قرار الحل الى قرار محكمة التمييز توجد رسالة مبطنة من السلطة الى المجتمع المدني، و هي أن تظل مسألة قبول الجمعيات الأهلية بان تكون خاضعة بشكل كامل للتدخل الرسمي.

وضمن جملة الجمعيات السياسية و الدينية والمدنية التي أغلقت كجمعية المعلمين و المنظمات الحقوقية، أو تلك التي جمّدت، أو تم محاكمة اعضائها، أو تم التحكم في تعيين مجلس ادارتها، كانت نتيجتها واحدة إما أن تقبل الجمعيات الأهلية أن تكون تابعة للرواية الرسمية و تعمل ضمن الفلك التي تحدده الأجهزة الأمنية أو يتم حلها و تهميشها بقوانين كالعزل السياسي أو الحل من خلال الوزارة أو عبر القضاء الذي وصفته العديد من المنظمات الحقوقية بالغير مستقل، اي أن النتيجة محسومة سلفاً، تدار الجمعيات الأهلية كما تدار مؤسسات الدولة، وإلّا تستعد لقرارات الحل أو المحاكمات التي تبرر عادة بمخالفات إدارية أو تمويلية، و النتيجة واحدة تجفيف منابع العمل الأهلي المستقل و تحويل جميع الانشطة الأهلية إلى ملف سياسي أو أمني أو يتم تحريك السلطة القضائية وإصدار احكام جنائية وغرامات مالية!

وهنا يمكن قراءة رسالة السلطة بوضوح تام، خصوصاً عندما تكون جميع الإجراءات سالفة الذكر ضد المجتمع الأهلي للمكوّن الشيعي في البلاد، خصوصاً عندما تكون الإجراءات مبالغ فيها دون تسامح مثل تحويل خطأ إداري بشكل عاجل للملاحقة القضائية بدلاً من التوجيه والإنذار و طلب اصلاح المخالفات ان وجدت و إعطاء المهل التي يحددها القانون.

من الإنصاف القول أن مهمة الدولة مراقبة مصادر التمويل وعدم استخدامها في اغراض مشبوهة او غير مشروعة، وهذا إجراء معمول في جميع دول العالم، ومن المهنية على جميع الجمعيات الأهلية تقديم مصادر الدخل و أين صرفت الأموال بشفافية، لكن من الخطأ تحويل الدولة الدور الرقابي إلى أداة سيطرة مطلقة، وعدم التفريق بين الخطأ الإداري إذا حدث، و بين الإنتهاك المتعمد، ولا تتيح الدولة المجال للحلول الإدارية و تطوير نظم التشارك المدني للحوكمة و الشفافية، و تقفز السلطة الى المنع والحل و المحاكمة، فخسرت ثقة الناس و المجتمع المدني.

من الطبيعي في كل مجتمع مدني أن يقع في دائرة تجاوز الخطوط الحمراء بالنسبة للدولة وقد يتجاوز بعضها الدور الاجتماعي أو الديني الى منطقة تعتبرها السلطة محظورة، أو في حال لم تلتزم الجمعية بالشفافية المالية أو التقارير المحاسبية المطلوبة قانونًا، لكن من الخطأ أن يتم تصنيفها من قبل الاجهزة الأمنية وكأنها جزء من الصراع السياسي لا من البناء الوطني.

مثال آخر لإستهداف الشعائر الدينية للمواطنين الشيعة في البلاد هو وضع صلاة الجمعة في جامع الدراز ومنع الصلاة فيه وهذا يقدّم وجها آخر للسياسة الأمنية ذاتها، فبدل الحوار، اختارت الدولة الإغلاق والمنع، فحرمت شريحة واسعة من حقها في العبادة وأضعفت الثقة بينها وبين المجتمع.

الرسالة غير المعلنة واضحة: العمل الأهلي أو الديني مقبول ما دام تابعاً وصدى لسياسات الدولة، والإستقلالية تُعد تجاوزًا! وهكذا يتحول النقد إلى تهمة، والاختلاف إلى خطر يهدد الأمن الوطني!

ما تحتاجه البحرين اليوم خطوة إصلاحية جريئة تعيد الثقة بين الدولة ومجتمعها، فبالثقة وحدها يبنى وطن مستقر وعادل.

*ناشط حقوقي وعضو في منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان