كتب – سيد يوسف المحافظة *
تُعد النيابة العامة، من حيث المبدأ، سلطة وشعبة قضائية مستقلة تضطلع بتمثيل المجتمع والدفاع عن الصالح العام، وتُناط بها مهمة إقامة الدعوى العمومية بوصفها نائبة عن المجتمع، لا خصمًا فيه. لكن السؤال الجوهري هنا: هل تنطبق هذه الخصائص المؤسسية على النيابة العامة في مملكة البحرين؟
للأسف، الممارسة العملية تشير إلى واقع مغاير. فقد باتت النيابة العامة في البحرين، بحسب ما يظهر في الكثير من الحالات، طرفًا غير محايد، وأحيانًا متواطئًا، لا سيما في القضايا ذات الطابع السياسي او الطائفي. حيث وثقت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية مواقف متكررة تشوبها تجاوزات قانونية واضحة، وانحرافات عن المبادئ الدستورية و الالتزامات الدولية التي تنص على استقلال القضاء ونزاهة إجراءات العدالة…
ففي الوقت الذي تصمت فيه النيابة العامة عن بلاغات التحريض على الكراهية والطائفية الموجهة ضد المواطنين من الطائفة الشيعية، بل وتتجاهل شكاوى موثقة من محامين ومواطنين وأنا أحدهم….نجدها تبادر بالتشهير في قضايا تجارية عندما يكون أطرافها من الطائفة الشيعية ، بينما تُحجم عن نشر أي تفاصيل عندما لا يكون المتهم من ذات الخلفية الطائفية. هذا التمييز السافر يتنافى مع مبدأ المساواة أمام القانون، ويطرح تساؤلات مشروعة حول مدى التزام النيابة العامة بواجبها في حماية حقوق جميع المواطنين دون تمييز….
كما أن حرمان المتهمين في القضايا السياسية من حقهم في توكيل محامٍ، وتجاهل قضايا التعذيب وعمليات القتل خارج نطاق القانون، وغض الطرف عن المخالفات الإدارية والتجاوزات المالية الواردة في تقارير رسمية مثل تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، يُعد إخلالًا جسيمًا بمبدأ سيادة القانون. وفي حين كان ينبغي على النيابة العامة أن تبادر بفتح تحقيقات شفافة في قضايا حساسة، مثل الفساد في استثمارات شركة ماكلارين، أو وفيات العمال في شركة بابكو مؤخرا، فإن الصمت المطبق إزاء تلك الملفات يُعزز شعورًا عامًا بانعدام المحاسبة وترسيخ الإفلات من العقاب… إن تسييس العدالة، وتوظيفها أداةً لتصفية الخصوم أو لإضفاء شرعية شكلية على ممارسات قمعية، يقوض الثقة بمؤسسات الدولة، ويزعزع أسس التعايش الوطني.
إذا أرادت الحكومة البحرينية أن تعزز من مصداقيتها على الصعيدين المحلي والدولي، فإن إصلاح النيابة العامة يجب أن يكون أولوية قصوى، لا سيما وأنها تمثل حجر الزاوية في منظومة العدالة…. إننا نأمل أن ينال ملف إصلاح النيابة العامة ما يستحقه من اهتمام من قبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، رئيس الوزراء، بوصفه مسؤولًا عن إدارة السلطة التنفيذية والإشراف على أداء المؤسسات العامة. فترسيخ دولة القانون لا يتحقق بالشعارات، بل بالإرادة السياسية الفاعلة، والمحاسبة الشفافة، والإصلاح المؤسسي الجاد…
*
ناشط وباحث حقوقي بحريني