كتب: إيمان شمس الدين
تعتر الهوية عن كيانية الإنسان وانتمائه، و تعتبر كاشفة عن منهج تفكيره وطريقته في فهم الحياة بل وتكتنز عاداته وتقاليده الاجتماعية، وبمجرد تواجده في مجتمعات أخرى يكفيه الكشف عن هويته حتى يفهم الآخر من خلال هذا الكشف لكثير من الأمور، ويدرك الآليات التواصلية الأنسب في التعامل مع الآخر .
ولكن هناك هويات عديدة ومتنوعة قد تتركب جميعها في هوية واحدة جامعة يفترض أنها جامعة للمتشابهات لا للمتضادات أو المتناقضات.
فالهوية لها أشكال عدة منها:
– الهوية الطائفية وهي هويته التي تحدد طائفته التي ينتمي إليها.
– الهوية المذهبية وهي تحدد مذهبه الذي يتبناه.
– الهوية الدينية و هي تحدد الدين الذي يعتقده أو أنه لا ديني.
– الهوية الثقافية و هي تحدد معالم الثقافة التي ينتمي إليها.
– الهوية الفكرية وترسم هذه الهوية منهج التفكير وأدواته و جذوره.
– الهوية الحزبية وتحدد انتماءه أو عدمه للأحزاب.
– الهوية الوطنية ونعني بها جنسيته التي تحدد انتماءه الجغرافي وهي هوية جامعة ومظلة لكل الهويات السابقة.
وتعتبر أغلب الهويات السابقة هويات ثابته متجذرة لا يمكن سلبها وانتزاعها من الإنسان، بل هي خياره الذي تبناه و هو الذي يقرر استمراره فيها أو تغييرها خاصة الهويات المرتبطة بانتمائه الديني والمذهبي والثقافي والفكري وخلافه.
أما هويته الحزبية فيمكن انتزاعها اذا خالف اللوائح الحزبية وهذا لا يتم إلا بعد توجيه عدة انذارات ولفت نظره لهذه المخالفات، وتنبيهه الى ان عقوبتها في حال عدم الانتظام هو الخروج من الحزب حتى لا يتضرر الحزب كجماعة من تصرفات فردية غير منضبطة، لكن ذلك لا يترتب عليه ضرر معنوي ولا مادي يؤثر على استقرار الفرد واستقرار الأسرة والمجتمع.
وما يهمنا من كل هذه الأنواع هو الهوية الوطنية التي تحدد انتمائه الجغرافي، والتي يترتب عليها مجموعة من الحقوق والواجبات التي ترسم ماضيه وحاضره ومستقبله، وتحقق له الاستقرار النفسي والاجتماعي والأسري. وهذه الهوية يطلق عليها اسم الجنسية.
الجنسية حق مكتسب لا منحة معطاة:
المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص صراحة على أنه لا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفاً. كما تقر الجمعية العامة، في قرارها 50/152، بالطبيعة الأساسية لحظر حرمان أي شخص من جنسيته تعسفا.
الجنسية حق من حقوق الأفراد المكتسبة، حيث يحق له الاحتفاظ بها أو تغييرها، وهي ليست منحة تمنحها الأنظمة القائمة في الدول لشعوبها.
وهناك فرق كبير بين الحق والمنحة، فالمنحة هبة وعطاء من الحاكم للشخص، كمنة يمتن بها على المواطنين ، يمكنه في أي لحظة حرمانه هذه الهبة ومنعه هذا العطاء، كونه المالك لأمرهم والمتحكم بهم واعتبارهم رعايا وأتباع، بينما الحق يفرض على الحاكم التعاطي مع الشعب كشركاء، عليه واجبات تجاه الشعب ، منها واجب إعطاء الجنسية لتنتظم على ضوئها باقي حقوق الشعب التي له على مؤسسات الدولة ومن يديرها، من خدمات عامة وتعليم وغيره، وكما أنها تفرض على الشعب مقابل تلك الحقوق مجموعة واجبات، لتنتظم العلاقة بذلك وفق مبدأ العدالة، تحقق السلطة فيه كل حقوق المواطن، ويقوم المواطن بكل واجباته تجاه الوطن.
بينما المنحة طريقة تناسب نظام القبيلة وليس الدول الحديثة.
سحب الجنسية التعسفي:
تناول مجلس حقوق الإنسان التمتع بالحق في الجنسية وتفادي حالات انعدام الجنسية في عدة قرارات بشأن “حقوق الإنسان والحرمان التعسفي من الجنسية”.
* القرار 7/10 (2008)
* القرار 10/13 (2009)
* القرار 13/2 (2010)
* القرار 20/4 بشأن الحق في الجنسية: النساء والأطفال (2012)
* القرار 20/5 (2012)
* القرار 26/14 (2014)
التقارير السابقة
* تقرير الأمين العام عن حقوق الإنسان والحرمان التعسفي من الجنسية – A/HRC/10/34
* تقرير الأمين العام عن حقوق الإنسان والحرمان التعسفي من الجنسية – A/HRC/13/34
* تقرير الأمين العام عن حقوق الإنسان والحرمان التعسفي من الجنسية – A/HRC/19/43
* تقرير عن التمييز ضد المرأة في المسائل المتصلة بالجنسية، بما في ذلك تأثيره على الأطفال – A/HRC/23/23
* تقرير الأمين العام عن حقوق الإنسان والحرمان التعسفي من الجنسية – A/HRC/25/28
المصدر : http://www.ohchr.org/AR/Issues/Pages/Nationality.aspx
البحرين والتزاماتها الدولية:
و قد وقعت البحرين على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
كما صادقت البحرين على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل ومجموعة من اتفاقيات منظمة العمل الدولية. وكذلك فقد انضمت البحرين إلى عدد من اتفاقات حقوق الإنسان الإقليمية ومنها الميثاق العربي لحقوق الإنسان حيث تنص المادة ٢٩ منه على : لكل شخص الحق في التمتع بجنسية ولا يجوز إسقاطها عن أي شخص بشكل تعسفي أو غير قانوني.
و الدستور البحريني منح الاتفاقيات الدولية التي توقع عليها المملكة قوة القانون الوطني في التطبيق كما ذكرت لجنة بسيوني في تقريرها: «لقد حددت المادة 37 من دستور مملكة البحرين طريقة وإجراءات إبرام المعاهدات وحددت مرتبتها في سلم تدرج القواعد القانونية، فنصت على أن للمعاهدات قوة القانون، بمجرد التصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية».
وقد نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته ١٢ فرع ٤ على :
4. لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده.
وتوقيع البحرين على المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق يعني وفق تعريف العهود والاتفاقيات هو توقيع يلزمها بتنفيذ ما أقرت به فيها.
إلا أن الواقع خلاف ما يجب أن يكون عليه الحال، فلقد بلغ عدد المواطنين البحرينيين المسقطة جنسياتهم لأسباب سياسية ٥٠٤ فرد، وهؤلاء إما أرباب أسر أو أعضاء في أسر، مما يعني تفكيك ٥٠٤ أسرة، وكون الأسرة تشكل الوحدة النواة للمجتمع ، فإن ذلك يعني تفكيك منهجي لبنية المجتمع الأصيل، وتغيير هذه البنى التاريخية وإعادة رسم معالم جديدة لتلك الأرض.
وقد تحولت الهوية ( الجنسية البحرينية) إلى هوية قلقة، فهي تسحب من مستحقيها وتعطى لمن هم ليسوا أهل استحقاق، بمخالفة صريحة وعلنية لكل المعاهدات والمواثيق التي وقعتها البحرين وباتت ملزمة لها في التنفيذ. وتحولت الجنسية البحرينية من حق مكتسب إلى منحة وعطية تتمنن بها السلطة على رعاياها، رغم أن البحرين لديها برلمان يفترض أنه منتخب، مما يشي بوجود انتخابات وديمقراطية، أي أن البحرين شكلا هي دولة ديموقراطية لديها دستور وبرلمان وانتخابات مما يعني أنها يجب أن تكون دولة مؤسسات، تحفظ فيها حقوق المواطنين، لكن الواقع يؤكد أن تلك المؤسسات بما فيها البرلمان والدستور معطلين، وشكليين، وأن ما يمارس فيها يعكس وجود قبيلة ورعايا وليس دولة ومؤسسات.
وقد تلجأ البحرين للالتفاف على تلك المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق بسن قوانين تبرر أفعال السلطة التعسفية، بما يضعف إلزامية المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات لها، كونها مخالفة لما قننته البحرين، فالقوانين باتت سلاح في يد سلطة يغيب فيها التشريع والرقابة وإن وجد برلمانا شكليا.
لماذا الصمت الدولي:
ويأتي الصمت الدولي في عدم إلزام البحرين بمعاهداتها ومواثيقها التي وقعت فأقرت بها، على شكلية هذه المواثيق وعدم تفعيلها إلا عند المساس بحقوق رعايا الدول الغربية الأصليين وليس المجنسين، أو في حال لم تلب البحرين لها صفقات شرائية للسلاح وخلافه.
أما ما يتم من مساس لكرامة كثير من البحرينيين، ومن سحق كامل حقوق كثيرين منهم، ومن تمييز ضدهم وعدم مساواة بين المواطنين وسلبهم جنسيتهم بشكل تعسفي غالبا بدوافع سياسية، و ممارسة كل أنواع التعذيب والاختفاء القصري، فإن ذلك لا يحرك هذه الدول في الضغط على البحرين بحجة حفظ تلك الحقوق التي أقرتها تلك الدول وسعت لتوقيع البحرين وغيرها من دول العالم الثالث عليها، لا للحفاظ على حقوقنا في هذه المنطقة المضطربة، لكن لاستخدامها كوسيلة ضغط لهدر ثرواتنا و إرضاخ هذه الأنظمة للابتزاز.
وهذا لا يعني عدم وعينا لتلك الحقوق ومعرفة المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الملزمة، واستخدامها كسلاح في سبيل ارغام هذه الدول على إدانة الممارسات التعسفية بحق الشعب البحريني، بل يجب التنسيق مع كل المنظمات الدولية والمدنية القاعلة لتحرج حكوماتها وتدفعها للضغط على النظام البحريني لاستعادة الحقوق المسلوبة، خاصة حق الشعب في تقرير مصيره.
و إعادة الاستقرار للبنية الأسرية الأصيلة في البحرين، من خلال إعادة الاستقرار للهوية ( الجنسية البحرينية) ، و عودة الأصيلين لأرض الوطن، كونه حق إنساني أصيل.
و يعتبر سحب الجنسية التعسفي وسيلة يلجأ لها أي نظام حاكم خاصة في الخليج وخاصة في البحرين، يلجأ إليها للانتقام من المعارضين السياسيين، وللقيام بتغيير ديموغرافي يغير من التركيبة السكانية بما يضمن له الاستمرارية، وهو ما بات يتطلب حراكا حقوقيا ودوليا للخروج بصيغة جديدة تعالج هذه الإشكالية، و تحد من استخدام السلطة لهذه الوسيلة المدمرة للأفراد والتي حولت الحنسية من هوية استقرار ونهضة، إلى هوية قلقة غير مستقرة و أداة للقهر والاذلال والعقاب لمجرد أقل مطالبة سياسية وحقوقية.
رؤى وحلول مقترحة :
و يعتبر تشكيل لجنة أممية تضم رقيب من الأمم المتحدة و ممثل للسلطة وآخر محايد من نفس الدولة و ممثل للمعارضة للبث في موضوع سحب الجنسية مقترحا كحل أولي يمكن تنضيجه، للتضييق من تعسف السلطة وصلاحياتها المطلقة في هذا الصدد، ودراسة الحالات التي يتطبق عليها قرار سحب الجنسية ومدى مواءمة ذلك مع المعاهدات والمواثيق الدولية.
هذه اللجنة تكون مسؤولة عن دراسة الحالات والحد من سحب جنسية الشخص، والعمل على توفير بديل عقابي ، كون الهوية حق مكتسب لا يحق لأي جهة سلبه ولا التعسف به.
ويمكن أن تشكل الأسر المسحوبة جنسياتهم تعسفا قوى مدنية تعمل على المطالبة باسترداد جنسياتها من خلال تدخل أممي يحد من تعسف النظام البحريني ، ويرغمه من خلال عقوبات محددة على استرداد الجناسي، وهو ما يتطلب ضغط لمؤسسات دولية ومدنية فاعلة في الغرب، وإلى حملات إعلامية منظمة تفضح التعسف الذي يمارس بسحب الجنسيات، للضغط على الحكومات الغربية لتتخذ موقفا مناهضا ضد هذه الممارسات، وتخفف من دعمها لهذا النظام تحت الضغط الإعلامي والمدني والشعبي.
وقد تحتاج هذه الأفكار إلى تطوير وتنضيج لتتواءم مع الدول العربية والخليجية، خاصة في الدول التي تستخدم سلاح سحب الحنسية كوسيلة عقابية باتت في البحرين جماعية تخص مذهب بذاته.
لكن يجب أن يتم التفكير بطريقة ناجعة للحد من تعسف التظام البحريني في سحب الجنسية و تدمير مستقبل الأسر ، و إحداث خلل في البنى الاجتماعية قد تظهر آثاره الحقيقية بعد عقود.