إبراهيم سرحان
لم تشكل لي صدمة كبيرة التعديلات الأخيرة على قانون الإجراءات الجنائية البحريني التي قدمتها الحكومة للسلطة التشريعية لتمريرها، فقد تعودت وتعود المواطن البحريني على هذه الصدمات من هذه السلطة التي بين حين وآخر تصدر أو تعدّل قانون يحد و يقيد من الحقوق والحريات وآخرها هذا التعديل على قانون الإجراءات الجنائية والذي طال ثمان مواد منه وإضافة عشر موادعليه، وهناك ملاحظات قانونية ومخالفات دستورية على هذه التعديلات والتي ترقى بعضها بعدم الدستورية بشكل جليّ، والغريب في الأمر أن هذا القانون المُعدل قدناقشته ودرسته المؤسسات الرسمية المشاركة في إعداده والتعليق عليه على مدى عام كامل، وعلى الرغم من وضوح المخالفات الدستورية إلا أنه في النهاية قد صدر بعد مصادقة الملك عليه بتاريخ 2 ابريل 2020.
من أهم وأخطر المواد التي يمكن أن نعلق عليها هي المادة 159 من قانون الإجراءات الجنائية – المتعلقة بأوامر منع السفر – والتي كانت لا تعطي الصلاحية للمحامي العام وقاضي التجديد (الحبس الاحتياطي) حق الأمر بمنع السفر إلا في حالة الإفراج المؤقت (دون حفظالدعوى) عن متهم بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس، ورغم ذلك كان فيها حق للمتهم أن يعترض على هذا الأمر أمام المحكمة الكبرى الجنائية، قد تكون هذه المادة قبل التعديل فيها شيء من الحماية والضمانة القانونية المستمدة من المبادئ الدستورية، إلا أنه بعد هذا التعديل الأخير قد سقطت هذه الضمانة القانونية ويشوبه عدم الدستورية! فكيف يكون للمحامي العام أن يصدر أمربمنع السفر لمواطن وقع عليها الاشتباه أو الإتهام وهو دون علم وقبل التحقيق معه وبسلطة تقديرية مطلقة وبعيداً عن الرقابة القضائية؟ فحريٌ بالنص أن يتضمن القيودالمفروضة على المحامي العام كي لا يتعسف في إصدارهكذا أوامر وبرقابة قضائية ومع ضمان الحق لمن يصدر بحقه أمر المنع من السفر التظلم أمام جهة قضائية.
قانون الإجراءات الجنائية يطلق عليه في الفقه الجنائي بالقانون المنظّم للحريات، ولذا يكتسب هذا القانون صفة القانون الأساسي الذي يكون أقل مرتبة من الدستور وأعلى مرتبة من القوانين العادية وذلك لأهميته وخطورته، لأنه يمس بشكل مباشر الحقوق والحريات.
وعليه، فإن المشرّع البحريني قد ارتكب مخالفة صريحة لنص البند –ب- من المادة 19 من دستور مملكة البحرين. إذ لا يجوز الحد أو تقييد من حرية الفرد دون رقابة قضائية، فنص التعديل أعطى المحامي العام سلطة مطلقة ودون رقابة قضائية وفيها اسقاط لحق المتهم أوالمشتبه به من الدفاع عن حقه. ومن باب أولى إذا كانالمتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي فإن المشتبه به أو المتهم له حق معرفة الأسباب قبل صدور الأمر أو أثناء صدوره مباشره ويكون له الحق في الطعن أو التظلم عليه بشكل قانوني.
التراجع في حماية الحريات العامة مخيف جداً فيالبحرين بسبب التعديلات والتشريعات المقيدة للحقوق والحريات منذ 2011، فالسلطة التشريعية بيد من؟ أليس حريٌ بها أن تعمل على صون الدستور والحقوق والحريات؟ وأن تكون في خدمة المواطنين؟ فإن كانت هذه السلطة غير مهتمة بالقوانين الدولية والإلتزامات التعاقدية، فعليها أن تلتزم بالمبادئ والنصوص الدستورية.
* مستشار قانوني في منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الانسان