27/5/2014
المحامي المستشار الدكتور حسين محمد البحارنة
موقف القانون الدولي العام من قوانين الجنسية عموماً
مقدمة:
تُعرف الجنسية بأنها العلاقة القانونية والسياسية التي تربط المواطن بدولة أو بوطن معين، وتترتب على هذه العلاقة الوثيقة بين المواطن ووطنه، واجبات وحقوق قانونية وسياسية متبادلة بين الوطن او الدولة ومواطنيها. ويُستثنى الاجانب المتواجدون على ارض الدولة من التمتع بهذه الحقوق القانونية والسياسية التي يتمتع بها المواطنون. ولكن الاجانب المقيمين اقامة شرعية في الدولة يتمتعون ببعض الحقوق الدستورية كافراد مقيمين على ارض الدولة وذلك بتوفير معاملة خاصة بهم، يُطلق عليها “معاملة الحد الادنى من العدالة” او ما يعرف في المصطلح الانجليـزي بِـ (The minimum standard of justice).
إن السئوال الذي يتبادر الى الذهن، في هذا المجال، هو: هل الدولة ملزمة وفقاً لمباديء القانون الدولي باسترخاص جنسيتها الى الحد الذي يُلزمها بتقديم جنسيتها على طبق من ذهب سواء لمن يطلبها من الاجانب المقيمين او غير المقيمين في اقليمها، ودون اية حدود او ضوابط؟ والجواب على هذا السئوال هو طبعاً انه لا يوجد التزام قانوني دولي على الدولة بان تجنس الاجانب المقيمين او غير المقيمين على ارضها، بجنسيتها لان هذا الامر متروك لكل دولة مستقلة وفقاً لما تقرره المصلحة العامة والصالح العام لهذه الدولة وذلك من خلال قوانين تصدرها السلطة التشريعية. ويمكن القول انه حتى في حالة استيفاء الاجنبي المتقدم بطلب الجنسية للشروط القانونية المطلوبة لاكتساب الجنسية بالنسبة للاقامة الدائمة وغيرها من الشروط الاخرى، فانه، حتى في هذه الحالة، لا يوجد التزام قانوني او دولي على الدولة بان تمنح جنسيتها لمن يتقدم بطلبها حتى ممن تتوافر فيهم الشروط القانونية لاكتساب الجنسية من الاجانب المقيمين في هذه الدولة، ما داموا يحتفظون بجنسياتهم الاصلية. وهذا يعني ان الاجنبي المقيم في الدولة والذي تتوافر فيه الشروط القانونية المطلوبة لاكتساب جنسيتها، لا ينشيء له القانون الدولي حقاً مكتسباً بالمطالبة بجنسية هذه الدولة التي يقيم فيها ما دام لا يمكن اعتباره “عديم الجنسية”، او ما يسمى بالتعبير الانجليزي “Stateless Person”، الامر الذي يُحظره القانون الدولي. ذلك ان للدولة الديمقراطية السلطة التقديرية الكاملة فيما يتعلق بمنح جنسيتها او عدم منحها للاجانب المقيمين فيها، دون فرض أية شروط مسبقة عليها، من وجهة نظر القانون الدولي في هذا الشأن.
إن القانون الدولي يعترف بان للدولة الحق في تنظيم طرق اكتساب جنسيتها وتحديد الاشخاص الذين يتمتعون بجنسيتها الاصلية او التبعية، وفقاً لما تقتضيه سيادتها ومصالحها الوطنية.
ولكن الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948، يؤكد في المادة 15(1) منه على ان لكل شخص في الدولة الحق في ان تكون له جنسية. إلاّ ان الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية يحدد هذا الحق في المادة 24(3) وذلك بالنص على انه يجب أن يكون لكل طفل يولد في الدولة الحق في الحصول على الجنسية. ولكن الميثاق الامريكي لحقوق الانسان لسنة 1969، يعيد في المادة 20(1) منه، تأكيد الرجوع الى ما نص عليه الميثاق الدولي لحقوق الانسان وذلك بالنص على ان لكل شخص الحق في ان تكون له جنسية.
والغرض من هذه الاحكام في الوثائق الحقوقية الدولية هو التأكيد على ان لا يحرم أي شخص يولد في دولة ما من جنسية هذه الدولة او جنسية الدولة التي يحملها والد هذا
المولود وذلك للتأكد مـن ان لا يولد شخص على ارض ما أو في اقليم دولة ما، دون ان تكون له جنسية.
إن القانون الدولي لا يقر حالات تواجد اشخاص في دولة ما دون ان يحملوا أية جنسية ما، وبذلك يصبحون اشخاصاً بلا جنسية “Stateless Persons”.
إكتساب الجنسية عن طريق التجنس يشترط الارتباط الوثيق بالدولة
إلاّ ان القانون الدولي يقر لكل دولة، وفقاً لقانونها الداخلي، ان تقرر من هو المواطن ومن هو غير المواطن في الدولة. ولهذا الغرض، لها ان تقرر من هو الذي يمكن ان يعتبر مواطناً بالتأسيس أو بصورة اصلية أو بالولادة التي تتم في هذه الدولة او خارج حدودها، ومن هو الاجنبي الذي يمكن ان يكتسب، بموافقة الدولة، حق التجنس بجنسية هذه الدولة، نتيجة لاقامته لفترة محددة في اقليمها. ولكن الاجنبي الذي يصبح مواطناً عن طريق التجنس في الدولة، يجب – وفقاً لقضاء المحاكم الدولية – ان يكون له ارتباط مباشر ووثيق بهذه الدولة التي يتقدم اليها بطلب الجنسية. ولهذا تشترط الدولة لاكتساب الاجنبي للجنسية بالتجنس، الاقامة الدائمة والمستمرة في الدولة لعدد محدد من السنين، مع احتفاظه بنية الاقامة في هذه الدولة، عن طريق اعتبارها موطناً له ومركزاً لعمله أو لوظيفته في هذه الدولة، ولكن دون ان يخل ذلك بتكرار سفره الى موطنه الاصلي الذي يحتفظ بجنسيته ووثيقة سفره لغرض الزيارة، ما دام محتفظاً باستمرار بنية الاقامة في الدولة التي تقدم طالباً اكتساب جنسيتها.
ولاهمية شرط الاقامة المستمرة والدائمة لعدة سنوات في الدولة التي يطلب الاجنبي الحصول على جنسيتها، إعتبر فقه القانون الدولي ان تجنيس الاجنبي الذي يحمل جنسيته الاصلية ويكتسب جنسية دولة اخرى عن طريق التجنس، دون ان تتوافر فيه شروط الاقامة الاعتيادية والمستمرة في هذه الدولة بحيث يعتبرها موطناً ثانياً له، قد يُفقده معيار الارتباط الوثيق المطلوب بهذه الدولة الاخيرة وذلك لغرض تقدمه بطلب الحماية الدبلوماسية من هذه الدولة في قضايا تخصه، تكون منظورة امام المحاكم الاجنبية التي تولي، في هذه الحالة، أهمية اكبر للدولة التي يحمل هذا الشخص جنسيتها الاصلية، لغرض طلب هذه الحماية الدبلوماسية منها. وهذا يعني ان شرط الاقامة للمدة التي يحددها قانون الجنسية الخاص بالدولة المطلوب التجنس بجنسيتها، هو المعيار الذي يتبين منه مدى الارتباط الوثيق للمتجنس بالدولة التي اكتسب جنسيتها، من وجهة نظر القانون الدولي. كما ان مبدأ الارتباط الوثيق بالدولة بالنسبة للمتجنس بجنسية هذه الدولة الذي يحتفظ، في نفس الوقت، بجنسيته الاصلية، هو كذلك المعيار الاساسي الذي تأخذ به المحاكم الدولية التي تنظر في النزاعات المتعلقة بقضايا الحماية الدبلوماسية التي تمنحها الدولة لمواطنيها الاصليين والمجنسين منهم على السواء، امام المحاكم الاجنبية.
ويتبين لنا من المباديء التي قررتها بعض المحاكم الاجنبية والدولية، ان توافر شرط الاقامة المستمرة في الدولة هو عنصر اساسي لمنح جنسية هذه الدولة للاجنبي الذي تقدم بطلبها وذلك لتأكيد ارتباطه الوثيق باقليم هذه الدولة التي اكتسب جنسيتها.
عدم ارتباط التجنيس السياسي بمبدأ الاقامة المستمرة في البحرين
بالرجوع الى حالات التجنيس السياسي التي جرت خلال السنوات الاثني عشرة الماضية في البحرين، لا يبدو لنا ان مبدأ الارتباط الوثيق باقليم الدولة، قد جرى تطبيقه في البحرين على حالات التجنيس السياسي لاعداد كبيرة من افراد القبائل الحاملين للجنسية السعودية، ولغيرهم من الافراد الحاملين لجنسيات بعض الدول العربية والآسيوية الاخرى. وقد تزامن ذلك التجنيس السياسي مع بداية الفترة التي سبقت انتخابات سنة 2002. ونظراً لعدم توافر الشروط القانونية المبينة في المادة 6(1) من قانون الجنسية البحرينية، بما في ذلك شرط الاقامة الاعتيادية في البحرين، في الجاليات المجنسة سياسياً خلال تلك الفترة، فانه يمكن القول أنها فقدت عنصر الارتباط الوثيق بالبحرين المطلوب وفقاً لمباديء القانون الدولي.
وبالرجوع الى قوانين الجنسية لبعض الدول العربية، نجد ان كلا من المادة الاولى من قانون الجنسية اللبنانية لسنة 1939، والمادة الخامسة من قانون الجنسية المصرية المعدل رقم (26) لسنة 1975، والمادة 3(1) من نظام الجنسية السعودية رقم 8/20/5604 الصادر بتاريخ 22 صفر 1374ﻫ، تشترط لتجنيس الاجنبي الاقامة في البلاد لمدة عشر سنوات، على ان يتقدم بطلب اكتساب الجنسية بعد بلوغه سن الرشد. أما المادة 8 من قانون الجنسية لدولة الامارات العربية المتحدة رقم (17) لسنة 1972، فانها تشترط فيمن يتقدم بطلب اكتساب الجنسية الاماراتية من الاجانب (من غير العرب) اثبات استمرار الاقامة الاعتيادية في اقليم أي من الامارات الاعضاء لمدة 30 سنة من تاريخ العمل بهذا القانون. أما المادة 4(1) من قانون الجنسية الكويتية رقم (15) لسنة 1959، فتشترط على الاجنبي المتقدم بطلب اكتساب الجنسية الكويتية، الاقامة في الكويت لمدة 20 سنة متتالية. ولكن الميزة التي تتمتع بها هذه القوانين العربية للجنسية، هي انها لا تتضمن نصاً مشابهاً لحكم المادة 6(2) من قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963 الذي ينسخ ويُلغي كل الشروط التي تتضمنها المادة 6(1) من هذا القانون، بما في ذلك شرط الاقامة الاعتيادية في البلاد للمتجنس الاجنبي المتقدم بطلب الجنسية البحرينية. كما ان قوانين الجنسية في الدول العربية عموماً لا يوجد فيها نص مشابه للمادة 6(2) من قانون الجنسية البحرينية الذي يمنح رئيس الدولة صلاحية خاصة ومطلقة باصدار اوامر، بالمخالفة لنص المادة 6(1) من هذا القانون، بتجنيس من يشاء من الاجانب تجنيساً سياسياً لا يقوم على أساس الاقامة في البحرين لمدة محددة لاثبات ارتباطه الوثيق بارض الدولة التي منحته جنسيتها.
فالتجنيس السياسي المفتوح للاجانب خلال العقد الماضي من الزمان وحتى تاريخه، يستند الى المادة 6(2) من قانون الجنسية البحرينية المعترض عليها والتي تنص على انه “بالرغم مما ورد في الفقرة السابقة من هذه المادة، يمكن بأمر عظمة الحاكم منح الجنسية البحرينية لمن يأمر عظمته بمنحها له، ويمكن بأمر الحاكم منح الجنسية البحرينية لاي عربي يطلبها اذا ادى للبحرين خدمات جليلة”.
وفي رأينا، يعتبر قانون الجنسية البحرينية عموماً، من القوانين القديمة التي صدرت في السابق في شكل اعلانات وأوامر وقرارات وذلك قبل صدور دستور سنة 1973. وكان يجب بعد هذا التطور الدستوري الحديث المتمثل في دستور عام 1973 العقدي، ان يستبدل هذا القانون بتشريع حديث يتناسب مع الوضع الدستوري الجديد في البحرين، ويتبنى النهج التشريعي الحديث الذي تعكسه قوانين الجنسية التي صدرت في المنطقة حديثاً والتي تخلو من هذا النص الاستثنائي السالف بيانه. ولكن الحكومة لم تبادر باستبدال هذا القانون بقانون آخر حديث للجنسية، وفقاً للمادة 105(ب) من الدستور السابق التي تنص على إمكانية تعديل او إلغاء الاعلانات او الاوامر او القوانين السابق صدورها على دستور سنة 1973 وذلك “وفقاً للنظام المقرر بهذا الدستور “.
وعند البحث عن مصدر حكم المادة 6(2) من هذا القانون، وجدنا ان مصدرها يرجع في مضمونه لحكم المادة 5 من قانون الجنسية البحرينية لسنة 1937 الذي صدر بالاعلان رقم 20/1356 كأول قانون للجنسية يشرع في البحرين. وقد أُلغي هذا القانون بعد صدور قانون الجنسية الحالي. وتنص المادة 5 من قانون الجنسية لسنة 1937، على ان “لحاكم البحرين ان يمنح الجنسية البحرينية الى أي شخص يسكن البحرين ويقدم طلباً بذلك وله ان يُلغي هذه المنحة اذا انقطع ذلك الشخص عن السكن في البحرين”.
ومن الواضح انه بالرغم من مرور 26 سنة بين تاريخ صدور قانون الجنسية البحرينية لسنة 1937 وتاريخ صدور قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963، بقي مضمون المادة 5 من القانون الاول – على قصرها واختزالها – مشابهاً لمضمون الفقرة (2) من المادة 6 من القانون الاخير. ذلك ان القانونين يتركان عملية اكتساب الاجنبي للجنسية البحرينية مرهونة، أولاً وأخيراً، بأمر ” عظمة الحاكم ” وذلك بالمخالفة للشروط القانونية، المبينة في الفقرة (1) من المادة 6 من قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963. وقد يبدو ان النص على منح الجنسية المرتبط بالسكن في البحرين وفقاً لاعلان او قانون سنة 1937 هو أفضل من نص المادة 6(2) من قانون 1963 لأن النص السابق يؤدي إلى امكانية سحب الجنسية من الأجنبي حين لا يتوفر سكن الأجنبي في البحرين. وهذا يتفق مع المبدأ الدولي لمنح الجنسية للأجنبي، وهو مبدأ الارتباط الوثيق بين الأجنبي المجنس – أو الاجنبي المتقدم بطلب الجنسية – بإقليم الدولة التي تقدم بطلب جنسيتها.
ان تعبير “بأمر عظمة الحاكم” في قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963، هو تعبير مرتبط بالماضي السحيق السابق لصدور دستور سنة 1973 حين كان حاكم البلاد يجمع في شخصه كل سلطات الحكم تشريعاً وتنفيذاً وقضاءً.
كما يبدو أن الفقرة الفرعية (د) من المادة 6(1) التي تنص على شرط امتلاك الاجنبي طالب التجنس بالجنسية البحرينية، لعقار ثابت في البحرين مسجل باسمه رسمياً، يتعارض مع نص المادة 2 من الاعلان رقم 46/1372 الصادر بأمر حاكم البحرين بتاريخ 28 يوليو 1953 والذي يمنع الاجنبي المقيم في البحرين من امتلاك “ملك ثابت” في البحرين سواء عن طريق “الشراء او الهبة او المبادلة او بأية صفة اخرى”.
وتجدر الإشارة إلى أن قانون الجنسية الكويتية لسنة 1959 يشترط أن يكون التجنيس للأجنبي الذي أمضى شروط الإقامة غير المنقطعة في البلاد لمدة 20 سنة صادراً بموجب مرسوم بناء على موافقة مجلس الوزراء وينشر في الجريدة الرسمية. ولكن الفارق الكبير بين المراسيم الاميرية الكويتية والاوامر الملكية البحرينية هي ان المراسيم الاولى الخاصة بمنح الجنسية للاجنبي او سحبها منه، تنشر في الجريدة الرسمية الكويتية، بينما الأوامر الاخيرة الخاصة بمنح الجنسية للاجانب، وفقاً للفقرة الاستثنائية رقم (2) من المادة 6 من قانون الجنسية البحرينية، فانها لا تنشر في الجريدة الرسمية للبلاد لاطلاع الجمهور عليها. وكذا الحال فيما يتعلق بالأوامر الخاصة باسقاط الجنسية عن بعض المواطنين، كما هو ثابت من وقائع إسقاط جنسية 31 مواطناً بتاريخ 6 نوفمبر 2012 حين اكتفي بنشر بيان عام في الصحف المحلية عن ذلك. ولكن هذا الاجراء لا يتفق مع الوضع الدستوري الديمقراطي المطلوب.
ملاحظة: لمزيد من البحث والاطلاع، راجع كتابنا بعنوان ” مراجعة لقانون الجنسية البحرينية في ضوء سياسة التجنيس الاجنبي في البحرين “، توزيع دار الوسط للنشر والتوزيع – ت: 17596999.
موقف القضاء البحريني من إسقاط الجنسية فـي
ضوء القانون والإلتزامات الدولية لمملكة البحرين
لا شك بأن الحق في الجنسية هو من أهم الحقوق اللصيقة بالإنسان، شأنه في ذلك شأن الحق في الحياة، والحق في الحرية، والحق في سلامة البدن، وغيرها من سائر الحقوق الشخصية التي لا يمكن تصور أي مجتمع متحضر بدونها. فالمجتمع الذي ينكر على الفرد هذه الحقوق هو مجتمع يقترب كثيراً من قيم الغاب، ويبتعد كثيراً عن قيم المجتمعات الإنسانية. لذلك فقد إستقرت الجماعة الدولية على التأكيد على أهمية هذا الحق، فنصت المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عام 1948، على أنه “لكل إنسان الحق في الحصول على جنسية ولا يجوز أن يحرم إنسان بصورة تعسفية من جنسيته، ولا من حقه في تغيير جنسيته“. كما تلزم الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، بموجب المادة (5) منها، كافة الدول المنضمة للإتفاقية “بأن تكفل حق كل شخص دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية: د-3: الحق في الجنسية”.
وتبعاً لهذه المبادئ، فإن لكل إنسان الحق في أن تكون له صلة قانونية بدولة من الدول، وعلى الأخص تلك الدولة التي تربطه بها صلة حقيقية، سواء تمثلت هذه الصلة بالدولة التي ولد فيها، وهذا ما يسمى بحق الأرض، أو تمثلت فيما يسمى بحق الدم أو النسب، وهو الحق في حصول الفرد على جنسية أحد والديه عند ولادته.
ولا شك بأن حرمان الإنسان من جنسيته هو من أشد الإجراءات وطأة على كرامته. ذلك أن هذا الحرمان يفقد الإنسان هويته وإنتمائه إلى الجماعة الإنسانية التي ينتمي إليها، بل وينكر عليه وجوده، كما ينكر عليه حقه في الحصول على الحقوق المقررة له كمواطن، سواء تلك الحقوق المقررة في دستور وقوانين بلده، أو الحقوق المقررة له بموجب الإتفاقيات والمواثيق الدولية. لذلك قيل أن “المواطنة أو الجنسية لا تمنح الناس شعوراً بالهوية فحسب، بل تمنح الأفراد الحق في حماية دولة ما إلى جانب حقوق سياسية ومدنية كثيرة. وقد وصفت المواطنة بحق أنها: الحق في الحصول على الحقوق” (المصدر: الجنسية وإنعدامها: دليل البرلمانيين – تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين والإتحاد البرلماني الدولي – دليل البرلمانيين رقم 2005.11 – ص: 3).
- · الإلتزامات الدولية لمملكة البحرين فيما يتعلق بالحق في الجنسية:
- · تتمثل الإلتزامات الدولية لمملكة البحرين، فيما يتعلق بالحق في حصول الأفراد على الجنسية، في الآتي:
1- ميثاق الأمم المتحدة:
جاءت نصوص ميثاق الأمم المتحدة، الذي أضحى ملزماً لحكومة البحرين بمجرد إنضمامها للأمم المتحدة، مؤكدة على الإلتزام بضمان الحقوق الأساسية للإنسان، والتي تتضمن قطعاً الحق في الجنسية. إذ نصت ديباجة الميثاق على “نحن شعوب الأمم المتحدة: وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب… وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة وإحترام الإلتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي…”.
وطبقاً للمادة (1/فقرة 3) من الفصل الأول، وهو الفصل المعنون (في مقاصد الهيئة ومبادئها)، فإن من مقاصد الأمم المتحدة: “3- تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية … وعلى تعزيز إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً…”.
وإستناداً إلى المادة (56) من ميثاق الأمم المتحدة فإنه “يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا، منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة 55 “، وإحدى المقاصد المنصوص عليها في هذه المادة هي ما تنص عليه الفقرة (ج) بقولها “أن يشيع في العالم إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً”.
ونرى – بكل وضوح- أن ميثاق الأمم المتحدة ينص على تعهدات قاطعة، صدرت من الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، بأن تراعي فعلاً حقوق الإنسان والحريات الأساسية. ولا شك في أن الحق في الجنسية يأتي في مقدمة هذه الحقوق.
2- الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري:
بموجب المرسوم رقم (8) لسنة 1990، فقد إنضمت البحرين إلى الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، وتنص المادة (5) منها على إلتزام كافة الدول المنضمة للإتفاقية على أن “تكفل حق كل شخص دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية: د-3: الحق في الجنسية”.
3- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
إنضمت مملكة البحرين إلى هذا العهد الدولي بموجب القانون رقم (56) لسنة 2006. وتنص المادة (24/فقرة 3) من هذا العهد على أنه “لكل طفل حق في إكتساب جنسية“. ومن المفهوم والطبيعي أن يستمر تمتع هذا الطفل بحقه في الجنسية عندما يكبر، فلا يجوز حرمانه منها بشكل تعسفي.
وأكتفي ببيان هذه الوثائق الدولية الثلاث لإيضاح مدى وطبيعة الإلتزامات الدولية المترتبة على عاتق حكومة البحرين، فيما يتعلق بالحق في الجنسية. إذ يتضح من هذه الوثائق الإلتزام القاطع والصريح بأن تضمن حكومة البحرين هذا الحق لمن توافرت له، بشكل طبيعي أو قانوني، شروط التمتع به والحصول عليه، وأن تمتنع عن القيام بأي عمل يترتب عليه حرمانه من هذا الحق على نحو تعسفي.
- · موقف القضاء البحريني من مسألة إسقاط الجنسية عمن يتمتع بها:
لقد أتاح لنا الحكم الصادر في القضية التي أقامها أحد المواطنين البحرينيين، ممن أسقطت جنسياتهم بموجب القرار الصادر عن وزير الداخلية بتاريخ 6/نوفمبر/2012، أتاح لنا هذا الحكم الوقوف على رأي القضاء البحريني من مسألة إسقاط الجنسية البحرينية عمن يتمتع بها. ولا بد لي من أن أشير، في بداية تناول هذا الموضوع، إلى أن الحكم الذي أتناوله بالدراسة هو حكم صادر من محكمة الدرجة الأولى ولم يحز – حتى الآن- ما يعرف قانوناً بحجية الأمر المقضي، إذ لا زال مجال الطعن عليه بالإستئناف ومن ثم بالتمييز، قائماً. ولكنني أعتقد بأن هذه المسألة الفنية، أو الإجرائية، لا تغير من حقيقة كون ذلك الحكم كاشف عن فهم، أو موقف لمحاكم البحرين، من مسألة إسقاط الجنسية.
وأستأذنكم، أولاً، في إستعراض الأسباب التي إستندت إليها المحكمة في رفض الدعوى التي أقامها أحد المواطنين بطلب إلغاء قرار وزير الداخلية بإسقاط الجنسية البحرينية عنه. وتتمثل هذه الأسباب في قول المحكمة ما يلي:
حيث أنه عن موضوع الدعوى، فإن المادة (17) من دستور مملكة البحرين تنص على أن “أ- الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون …”. وحيث أن المادة (10) من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 تنص على أن يجوز بأمر عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية: أ- … ب- … ج- إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة”.
وحيث أن مفاد ما تقدم أن دستور مملكة البحرين حظر إسقاط الجنسية البحرينية عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون، وقد صدر قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 وأجاز إسقاط الجنسية البحرينية بموجب أمر ملكي في عدة حالات حددها على سبيل الحصر، منها حالة الإضرار بأمن الدولة. وحيث إنه من المقرر أن للدولة الحق في تقدير ما يعتبر ضاراً بشئونها الداخلية والخارجية وما لا يعتبر، ولها الحق في إتخاذ التدابير المناسبة لكل مقام في حدود الواجبات الإنسانية وما تعارف عليه دولياً ولها سلطة تقديرية في إتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن أمنها وسلامتها، وتتسع هذه الإجراءات وتضيق حسب الظروف التي تكتنف الدولة، ولا يرد على هذا الحق إلا قيد حسن إستعماله بحيث يكون قرارها في هذا الشأن قائماً على سبب يبرره.
وحيث إنه من المقرر أن قرار إسقاط الجنسية يثبت من أي واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة، وتملك جهة الإدارة في هذا الصدد سلطة تقديرية واسعة لا تخضع لرقابة القضاء ما دام قرارها خلا من إساءة إستعمال السلطة.
وحيث إنه من المستقر عليه أن القرار الإداري يحمل على سببه الصحيح ما لم يقم الدليل على عدم صحته وأنه لا إلزام على جهة الإدارة بتسبيب قراراتها ما لم يلزمها القانون بذلك، وأن عيب إساءة إستعمال السلطة أو الإنحراف بها هو من العيوب القصدية في السلوك الإداري قوامها أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة إستعمال السلطة أو الإنحراف بها، وهذا العيب يجب أن يشوب الغاية من القرار بأن تكون الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة التي يتغياها القرار أو تكون قد أصدرت القرار بباعث لا يمت لتلك المصلحة، وعلى هذا الأساس فإن عيب إساءة إستعمال السلطة يجب إقامة الدليل عليه لأنه لا يفترض.
لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق صدور أمر ملكي بإسقاط الجنسية البحرينية عن (31) شخص – من بينهم المدعي – لتسببهم في الأضرار بأمن الدولة، وذلك على النحو الثابت بكتاب معالي وزير الديوان الملكي رقم …… المؤرخ 6/11/2012، والذي تم إثبات محتواه بمحضر جلسة 23/12/2013، على نحو ما سبق الإلماح إليه، فإنه وأياً ما يكون الأمر في شأن الأسباب التي يمكن أن تقدم تبريراً لإسقاط الجنسية عن المدعي، فإن الأمر، من قبل ومن بعد، يبقى رهين ما تطمئن إليه السلطة المختصة بإصدار قرارات إسقاط الجنسية – لاسيما في حالة الإضرار بأمن الدولة – بإعتبار أن هذه القرارات الأخيرة مما يتصل اتصالاً وثيقاً بمسائل الأمن القومي والتي تحيطها إعتبارات قد لا يكون من الملائم لسلامة الدولة الإفصاح عنها. لما كان ذلك، وإذ لم يقدم المدعي ما يدل على أن قرار إسقاط جنسيته مشوب بعيب إساءة إستعمال السلطة، فمن ثم يكون القرار المطعون فيه مطابقاً للقانون ولا مطعن عليه.
كما لا ينال من ذلك نعي المدعي على القرار الطعين مخالفته للدستور الذي لم يجز إسقاط الجنسية إلا في حالة الخيانة العظمى، فضلاً عن مخالفته للمعاهدات الدولية التي إنضمت إليها مملكة البحرين والتي تحظر إسقاط الجنسية لأسباب سياسية أو دينية أو لأسباب متعلقة بالجنس أو العنصر، لاسيما وأنه لم يصدر ضده أية أحكام جنائية تبرر إسقاط جنسيته، فهذا الدفع مردود بأن الدستور أجاز إسقاط الجنسية – بخلاف حالة الخيانة العظمى – في الأحوال التي يحددها القانون، فكان أن نظم قانون الجنسية البحريني لعام 1963 حالات إسقاط الجنسية على النحو المشار إليه سلفاً، ومن ثم فإن هذا الدفع ينطوي على فهم خاطئ لأحكام الدستور والقانون، وإذ لم يقدم المدعي ثمة دليل على أن إسقاط جنسيته كان لأسباب سياسية أو دينية أو لأسباب متعلقة بالجنس أو العنصر، ومع خلو الأوراق من ثمة نص يستلزم صدور حكم جنائي على من يُراد إسقاط جنسيته، مما يكون معه القرار الطعين محمولاً على سببه الصحيح بلا معقب عليه من جهة القضاء الإداري إلا في حدود عيب الإنحراف بالسلطة وهو ما لم يقم عليه دليل من الأوراق، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه قد صدر ممن يملك سلطة إصداره قانوناً متفقاً وصحيح حكم القانون بمنأى عن الإلغاء عند الطعن عليه، ومن ثم يضحى طلب إلغائه قائماً على غير أساس سليم من القانون جديراً بالرفض”.
وبعبارات مختصرة جداً فإن هذا الحكم ينتهي إلى أن القرار الصادر في 6/نوفمبر/2012، بإسقاط الجنسية عن (31) مواطن، هو قرار يستند إلى حكم القانون، ولا يخالف أحكام الدستور، ولا أحكام المعاهدات والإتفاقيات الدولية التي إنضمت إليها البحرين، و أن القانون لا يستلزم صدور حكم جنائي بإدانة من صدر القرار بإسقاط جنسيته. كما ينتهي هذا الحكم إلى أن الجهة التي أصدرت القرار ليست ملزمة بأن تفصح عن الأسباب التي دعتها إلى إصدار قرار إسقاط الجنسية، لأن هذا القرار “يتصل إتصالاً وثيقاً بمسائل الأمن القومي و التي تحيطها إعتبارات قد لا يكون من الملائم لسلامة الدولة الإفصاح عنها“، و ذلك حسبما ذهبت إليه المحكمة. وأخيراً، ينتهي الحكم إلى أنه طالما لم يقم الدليل على أن قرار إسقاط الجنسية مشوب بعيب إساءة إستعمال السلطة، فإن القرار يكون مطابقاً للقانون و لا سبيل للطعن عليه.
والواقع أن كل هذا الذي إنتهت إليه المحكمة، في حكمها سالف البيان، يكشف عن توجه يعصف عصفاً شديداً بكل المبادئ و القواعد القانونية المستقرة فيما يعرف بالرقابة القضائية على أعمال الإدارة، هذا فضلاً عن أنه يضرب بعرض الحائط أحكام الدستور، ونصوص المعاهدات والإتفاقيات التي إنضمت إليها مملكة البحرين، و ذلك للأسباب التالية:
أولاً: لا بد من الإشارة – في بادئ الأمر – إلى مسألة فنية بالغة الأهمية في إطار هذه الورقة، وهي أن الحكم القضائي الذي نحن يصدده يؤكد على أمر أساسي وجوهري هو أن الأمر الصادر بإسقاط الجنسية عن المواطنين الواحد والثلاثين هو قرار إداري يخضع للرقابة القضائية على مشروعية أعمال الإدارة، شأنه في ذلك شأن سائر القرارات التي تصدر من جهة الإدارة. وتبعاً لذلك فإن قرار إسقاط الجنسية ليس عملاً من أعمال السيادة التي تخرج عن نطاق الرقابة القضائية.
وتبعاً لهذا التوصيف، فإن الفقه و القضاء الإداري مستقران تماماً على أن أسباب إلغاء القرارات الإدارية تتمثل في أحد الأسباب أو العيوب التالية:
أ- عيب عدم الإختصاص، أي أن يصدر القرار الإداري من جهة غير مختصة قانوناً بإصداره.
ب- عيب الشكل، و يعني أن شكل القرار و القواعد الإجرائية التي يتطلبها القانون في القرار، لم يتم التقيد بها.
ج- عيب مخالفة القانون، و المقصود بذلك مخالفة القرار الإداري للقانون بمعناه الواسع، سواء الدستور أو القوانين أو اللوائح و غيرها من القواعد القانونية كالعرف و المبادئ العامة للقانون.
د- عيب السبب، و يعني أن كل قرار إداري يجب أن يكون مستنداً إلى سبب يبرر إصداره، و إلا كان القرار باطلاً لفقدانه ركناً أساسياً هو سبب وجوده.
هـ- عيب الإنحراف بالسلطة، و المقصود بهذا العيب أن يستخدم رجل الإدارة سلطته التقديرية لتحقيق غرض غير معترف له بتحقيقه. (أنظر في أسباب القرارات الإدارية: مجلس الدولة و الرقابة القضائية على أعمال الإدارة في جمهورية مصر العربية – الأستاذ الدكتور محمد عبدالعال السناري – ص: 440 – طبعة 2002).
وطالما أن الأمر كذلك، فإنه لابد من مناقشة الحكم القضائي، وتبعاً لذلك قرار إسقاط الجنسية، على ضوء القواعد سالفة البيان.
ثانياً: إن حجز الزاوية الذي يقوم عليه الحكم القضائي، الذي إنتهى إلى مشروعية قرار إسقاط الجنسية، يتمثل في نص المادة (17) من الدستور، والذي يجري على أن “أ- الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون”.
وإستناداً إلى هذا النص يذهب الحكم إلى القول بأن المادة (10/ فقرة ج) من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 تنص على أنه “يجوز بأمر عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية: ج- إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة”.
ويتضح من هذا النص الأخير أن قانون الجنسية، وبصرف النظر عن مدى إتفاقه مع أحكام الدستور – الذي لم تعرفه البحرين إلا بعد عشر سنوات من إصدار قانون الجنسية – وبصرف النظر أيضاً عن مدى إتفاق هذا القانون مع أحكام المعاهدات والإتفاقيات الدولية التي إنضمت إليها البحرين بعد إصدار ذلك القانون بسنوات طويلة، بصرف النظر عن كل ذلك، فإن قانون الجنسية يشترط لإسقاط الجنسية البحرينية عن أي شخص يتمتع بها أن يكون قد تسبب في الإضرار بأمن الدولة. وهذا يعني، ببساطة شديدة أن يكون ذلك الشخص قد إرتكب من الأفعال ما ترتب عليه إضرار بأمن الدولة. وحيث أن مصطلح، أو تعبير “الإضرار بأمن الدولة”، أصبح بعد صدور قانون العقوبات البحريني في عام 1976، مصطلحاً يعني القيام بأي فعل من الأفعال المجرمة بموجب الفصل الأول من الباب الأول من قانون العقوبات، وهي الأفعال التي تمثل الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي، والمعاقب عليها بموجب المواد من (112) إلى (146) من قانون العقوبات. أو الأفعال المجرمة بموجب الفصل الثاني من الباب الأول من قانون العقوبات، وهي الأفعال التي تمثل الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي، والمعاقب عليها بموجب المواد من (147) إلى (184) من قانون العقوبات.
وتبعاً لذلك، فإن ما إنتهى إليه الحكم القضائي سالف الذكر من أن “الأمر، من قبل ومن بعد، يبقى رهين ما تطمئن إليه السلطة المختصة بإصدار قرارات إسقاط الجنسية – لا سيما في حالة الإضرار بأمن الدولة – بإعتبار أن هذه القرارات الأخيرة مما يتصل إتصالاً وثيقاً بمسائل الأمن القومي والتي تحيطها إعتبارات قد لا يكون من الملائم لسلامة الدولة الإفصاح عنها”، هذا الذي إنتهى إليه الحكم هو محض باطل لا يستقيم، بأي شكل من الأشكال، مع ما إستقر في القانون البحريني بشأن الأفعال التي تسبب إضراراً أو مساساً بأمن الدولة، والتي تكفلت نصوص قانون العقوبات ببيانها على النحو الذي تقدم ذكره. فلابد أن يتضمن قرار إسقاط الجنسية، الذي يستند إلى السبب الثالث من الأسباب التي عددتها المادة (10) من قانون الجنسية، بياناً بالأفعال التي إرتكبها من أسقطت عنه الجنسية. ولا شك بأن الجزم بإرتكابه لأي فعل مسبب للإضرار بأمن الدولة لا يتأتى إلا من خلال حكم قضائي بات، إنتهى إلى إدانة ذلك الشخص بإرتكاب فعل معاقب عليه بموجب القانون.
وتأكيداً لصحة ما أقرره في هذا الشأن، فإني أستأذنكم في إستعراض السببين المنصوص عليهما في ذات المادة (10) من قانون الجنسية، لإسقاط الجنسية. و هما “إذا دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقي فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها، أو: ب- إذا ساعد أو إنخرط في خدمة دولة معادية”. فهل يجوز في أي من هاتين الحالتين مجرد القول بإسقاط الجنسية بأن أحداً من الأشخاص قد دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون بيان الدليل على إلتحاقه بتلك الخدمة، لا بل دون تقديم الدليل على أن حكومة البحرين قد أمرته بترك الخدمة العسكرية التي إلتحق بها؟ وهل يجوز مجرد القول بأن شخصاً قد ساعد أو إنخرط في خدمة دولة معادية، دون تقديم أو بيان الدليل على قيامه بهذا الفعل؟ ولعله من المفيد – في هذا الشان – تذكير هيئة المحكمة الموقرة التي أصدرت الحكم، موضوع البحث، أن هذين السببين، المنصوص عليها بموجب الفقرتين (أ) و(ب)، هما من الأفعال المعاقب عليهما بموجب المواد (113) و(114) و(115) من قانون العقوبات. وهو ما يؤكد صحة ما قلناه بأن إسقاط الجنسية البحرينية، بموجب الحالات المنصوص عليها طبقاً للمادة (10) من قانون الجنسية لا يصح، ولا يجوز، إلا بناء على سبب قائم على حكم قضائي قطع – بشكل بات – بإرتكاب من تقرر إسقاط الجنسية عنه، لأي فعل من الأفعال المنصوص عليها بموجب تلك المادة، وذلك بإعتبار أن تلك الأفعال مجرمة بنص في القانون، وليس بمحض تقدير مطلق تذهب إليه جهة الإدارة من تلقاء نفسها.
ثالثاً: إن إسقاط الجنسية عن أي مواطن حصل عليها، بشكل يتوافق وأحكام القانون، وإستناداً إلى الأسس التي إستقرت عليها الجماعة الدولية، والمتمثلة في رابطة الأرض، أو رابطة الدم، هو – أي إسقاط الجنسية – من قبيل العقوبة التي لا يجوز توقيعها على أي شخص دون أن يكون هذا الشخص قد إرتكب جريمة معاقب عليها بإسقاط الجنسية. والقول بغير ذلك، على النحو الذي ذهب إليه الحكم القضائي موضوع هذه الورقة، بقوله أن قرار إسقاط الجنسية، الصادر بحق (31) مواطن، لا يخالف الدستور، هو قول باطل، حال كونه مخالف لحكم المادة (20/فقرة أ) من الدستور، والتي تنص على أنه “أ- لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون …”. هذا فضلاً عن مخالفة ذلك الزعم الذي ذهب إليه الحكم، لنص الفقرة (ج) من ذات المادة (20) من الدستور والذي ينص على أن “ج- المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤّمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون”.
وليس أدل على صحة ما أقرره في هذا الصدد، من كون إسقاط الجنسية عن المواطن البحريني هو من قبيل العقوبة التي لا يجوز تقريرها إلا بناء على حكم قضائي يستند إلى نص في القانون، ليس أدل على صحة ذلك من نص المادة (24/مكرر) من المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، والذي يجري على أنه “بالإضافة إلى العقوبة المقررة، يُحكم بإسقاط الجنسية عن المحكوم عليه في الجرائم المنصوص عليها في المواد من (5) إلى (9) و(12) و(17) من هذا القانون. ولا ينفذ الحكم الصادر بإسقاط الجنسية إلا بعد موافقة ملك البلاد”.
ويتضح من هذا النص أن إسقاط الجنسية عن المواطن البحريني هو من قبيل العقوبة التي لا يجوز إيقاعها على من إرتكب تلك الأفعال المحددة بموجب أحكام قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، إلا بناء على حكم قضائي. بل أن نفاذ هذه العقوبة لا يكون إلا بعد موافقة الملك عليها، شأنها في ذلك شأن عقوبة الإعدام، التي لا تنفذ إلا بعد موافقة ملك البلاد عليها، طبقاً لحكم المادة (51) من قانون العقوبات.
وبعد كل هذا، تخرج علينا المحكمة التي شرّعت إسقاط الجنسية عن (31) مواطناً، لتقول لنا بأن إسقاط الجنسية عنهم جائز بمجرد قرار إداري!! وأنه لا حاجة لتسبب هذا القرار التي يتساوى في أثره مع الحكم المترتب على الإعدام، أي إزهاق الروح، فأي محكمة يمكن أن تذهب لما ذهبت إليه المحكمة التي أصدرت ذلك الحكم؟
فضلاً عن هذا، وذاك، فإن وصف الأمر الصادر من عظمة الحاكم أو جلالة الملك بأنه محض قرار إداري، ونفي وصف العقوبة عنه، هو زعم يترتب عليه المساس بالذات الملكية – التي أسبغ عليها الدستور حماية مطلقة – والنزول بها لمنزلة الموظف العام الذي يتخذ القرارات الإدارية في إطار ممارسته لوظيفة عامة. في حين أن الأمر هو أبعد ما يكون عن ذلك. فالأمر بإسقاط الجنسية عمن إرتكب أحد الأفعال المنصوص عليها بموجب المادة (10) من قانون الجنسية، هو عقوبة تُرك أمر إيقاعها، في العام 1963، بيد عظمة الحاكم، إذا ما ثبت إرتكاب أحد المواطنين لإحدى جرائم المادة (10) من قانون الجنسية. ولا أحسب أنه بعد صدور دستور للبلاد، وسن قانون للعقوبات، حدد بنصوص واضحة ما يعد من قبيل المساس بأمن الدولة، وإنخراط الدولة في الجماعة الأممية من خلال العهود والمواثيق والإتفاقيات الدولية، لا أحسب بعد كل ذلك أنه يصح القول بأن إسقاط الجنسية عن أي مواطن هو أمر متروك لمجرد صدور قرار إداري لا حاجة فيه حتى للتسبيب.
وحيث أنه لم تصدر أي أحكام قضائية جنائية باتة بإدانة المدعي، في الدعوى التي نحن بصددها، عن أي فعل من الأفعال المنصوص عليها بموجب المادة (10) من قانون الجنسية، فإن الأمر الصادر بإسقاط الجنسية عنه هو أمر مخالف للقانون، فضلاً عن بطلانه لإنعدام السبب.
رابعاً: وقبل أن أختم هذه الورقة، فإنه لابد لي من الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية وهي “مدى توافق القوانين الوطنية مع إلتزامات البحرين الدولية”. ذلك أنه من المعروف أن طائفة من القوانين النافذة والمعمول بها في الوقت الراهن، ومنها على سبيل المثال قانون العقوبات وقانون الجنسية، وهما من القوانين ذات الأثر البالغ على منظومة الحقوق والحريات العامة، هي قوانين صدرت قبل إنضمام البحرين إلى العديد من الإتفاقيات والمواثيق الدولية، التي منها – على سبيل المثال – العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وهو ما إستوجب بالضرورة مراجعة تلك القوانين وتعديلها بما يتوائم مع أحكام هذه العهود والإتفاقيات الدولية. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل، وظلت أحكام القوانين الوطنية ذات النكهة الإستبدادية قائمة لم تمسسها يد التطوير لتزيل عنها ما يخالطها من مذاق التعسف والإعراض عن قيم ومبادئ الإنصاف والعدالة التي تتميز بها عهود ومواثيق الجماعة الدولية، وأضحى إنضمام البحرين للعديد من الإتفاقيات الدولية، محل هذا البحث، مجرد حبر على ورق.
المحامي محمد أحمد عبدالله
27/مايو/2014
موقف القضاء البحريني من إسقاط الجنسية فـي
ضوء القانون والإلتزامات الدولية لمملكة البحرين
لا شك بأن الحق في الجنسية هو من أهم الحقوق اللصيقة بالإنسان، شأنه في ذلك شأن الحق في الحياة، والحق في الحرية، والحق في سلامة البدن، وغيرها من سائر الحقوق الشخصية التي لا يمكن تصور أي مجتمع متحضر بدونها. فالمجتمع الذي ينكر على الفرد هذه الحقوق هو مجتمع يقترب كثيراً من قيم الغاب، ويبتعد كثيراً عن قيم المجتمعات الإنسانية. لذلك فقد إستقرت الجماعة الدولية على التأكيد على أهمية هذا الحق، فنصت المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عام 1948، على أنه “لكل إنسان الحق في الحصول على جنسية ولا يجوز أن يحرم إنسان بصورة تعسفية من جنسيته، ولا من حقه في تغيير جنسيته“. كما تلزم الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، بموجب المادة (5) منها، كافة الدول المنضمة للإتفاقية “بأن تكفل حق كل شخص دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية: د-3: الحق في الجنسية”.
وتبعاً لهذه المبادئ، فإن لكل إنسان الحق في أن تكون له صلة قانونية بدولة من الدول، وعلى الأخص تلك الدولة التي تربطه بها صلة حقيقية، سواء تمثلت هذه الصلة بالدولة التي ولد فيها، وهذا ما يسمى بحق الأرض، أو تمثلت فيما يسمى بحق الدم أو النسب، وهو الحق في حصول الفرد على جنسية أحد والديه عند ولادته.
ولا شك بأن حرمان الإنسان من جنسيته هو من أشد الإجراءات وطأة على كرامته. ذلك أن هذا الحرمان يفقد الإنسان هويته وإنتمائه إلى الجماعة الإنسانية التي ينتمي إليها، بل وينكر عليه وجوده، كما ينكر عليه حقه في الحصول على الحقوق المقررة له كمواطن، سواء تلك الحقوق المقررة في دستور وقوانين بلده، أو الحقوق المقررة له بموجب الإتفاقيات والمواثيق الدولية. لذلك قيل أن “المواطنة أو الجنسية لا تمنح الناس شعوراً بالهوية فحسب، بل تمنح الأفراد الحق في حماية دولة ما إلى جانب حقوق سياسية ومدنية كثيرة. وقد وصفت المواطنة بحق أنها: الحق في الحصول على الحقوق” (المصدر: الجنسية وإنعدامها: دليل البرلمانيين – تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين والإتحاد البرلماني الدولي – دليل البرلمانيين رقم 2005.11 – ص: 3).
- · الإلتزامات الدولية لمملكة البحرين فيما يتعلق بالحق في الجنسية:
- · تتمثل الإلتزامات الدولية لمملكة البحرين، فيما يتعلق بالحق في حصول الأفراد على الجنسية، في الآتي:
1- ميثاق الأمم المتحدة:
جاءت نصوص ميثاق الأمم المتحدة، الذي أضحى ملزماً لحكومة البحرين بمجرد إنضمامها للأمم المتحدة، مؤكدة على الإلتزام بضمان الحقوق الأساسية للإنسان، والتي تتضمن قطعاً الحق في الجنسية. إذ نصت ديباجة الميثاق على “نحن شعوب الأمم المتحدة: وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب… وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة وإحترام الإلتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي…”.
وطبقاً للمادة (1/فقرة 3) من الفصل الأول، وهو الفصل المعنون (في مقاصد الهيئة ومبادئها)، فإن من مقاصد الأمم المتحدة: “3- تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية … وعلى تعزيز إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً…”.
وإستناداً إلى المادة (56) من ميثاق الأمم المتحدة فإنه “يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا، منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة 55 “، وإحدى المقاصد المنصوص عليها في هذه المادة هي ما تنص عليه الفقرة (ج) بقولها “أن يشيع في العالم إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً”.
ونرى – بكل وضوح- أن ميثاق الأمم المتحدة ينص على تعهدات قاطعة، صدرت من الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، بأن تراعي فعلاً حقوق الإنسان والحريات الأساسية. ولا شك في أن الحق في الجنسية يأتي في مقدمة هذه الحقوق.
2- الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري:
بموجب المرسوم رقم (8) لسنة 1990، فقد إنضمت البحرين إلى الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، وتنص المادة (5) منها على إلتزام كافة الدول المنضمة للإتفاقية على أن “تكفل حق كل شخص دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية: د-3: الحق في الجنسية”.
3- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
إنضمت مملكة البحرين إلى هذا العهد الدولي بموجب القانون رقم (56) لسنة 2006. وتنص المادة (24/فقرة 3) من هذا العهد على أنه “لكل طفل حق في إكتساب جنسية“. ومن المفهوم والطبيعي أن يستمر تمتع هذا الطفل بحقه في الجنسية عندما يكبر، فلا يجوز حرمانه منها بشكل تعسفي.
وأكتفي ببيان هذه الوثائق الدولية الثلاث لإيضاح مدى وطبيعة الإلتزامات الدولية المترتبة على عاتق حكومة البحرين، فيما يتعلق بالحق في الجنسية. إذ يتضح من هذه الوثائق الإلتزام القاطع والصريح بأن تضمن حكومة البحرين هذا الحق لمن توافرت له، بشكل طبيعي أو قانوني، شروط التمتع به والحصول عليه، وأن تمتنع عن القيام بأي عمل يترتب عليه حرمانه من هذا الحق على نحو تعسفي.
- · موقف القضاء البحريني من مسألة إسقاط الجنسية عمن يتمتع بها:
لقد أتاح لنا الحكم الصادر في القضية التي أقامها أحد المواطنين البحرينيين، ممن أسقطت جنسياتهم بموجب القرار الصادر عن وزير الداخلية بتاريخ 6/نوفمبر/2012، أتاح لنا هذا الحكم الوقوف على رأي القضاء البحريني من مسألة إسقاط الجنسية البحرينية عمن يتمتع بها. ولا بد لي من أن أشير، في بداية تناول هذا الموضوع، إلى أن الحكم الذي أتناوله بالدراسة هو حكم صادر من محكمة الدرجة الأولى ولم يحز – حتى الآن- ما يعرف قانوناً بحجية الأمر المقضي، إذ لا زال مجال الطعن عليه بالإستئناف ومن ثم بالتمييز، قائماً. ولكنني أعتقد بأن هذه المسألة الفنية، أو الإجرائية، لا تغير من حقيقة كون ذلك الحكم كاشف عن فهم، أو موقف لمحاكم البحرين، من مسألة إسقاط الجنسية.
وأستأذنكم، أولاً، في إستعراض الأسباب التي إستندت إليها المحكمة في رفض الدعوى التي أقامها أحد المواطنين بطلب إلغاء قرار وزير الداخلية بإسقاط الجنسية البحرينية عنه. وتتمثل هذه الأسباب في قول المحكمة ما يلي:
حيث أنه عن موضوع الدعوى، فإن المادة (17) من دستور مملكة البحرين تنص على أن “أ- الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون …”. وحيث أن المادة (10) من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 تنص على أن يجوز بأمر عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية: أ- … ب- … ج- إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة”.
وحيث أن مفاد ما تقدم أن دستور مملكة البحرين حظر إسقاط الجنسية البحرينية عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون، وقد صدر قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 وأجاز إسقاط الجنسية البحرينية بموجب أمر ملكي في عدة حالات حددها على سبيل الحصر، منها حالة الإضرار بأمن الدولة. وحيث إنه من المقرر أن للدولة الحق في تقدير ما يعتبر ضاراً بشئونها الداخلية والخارجية وما لا يعتبر، ولها الحق في إتخاذ التدابير المناسبة لكل مقام في حدود الواجبات الإنسانية وما تعارف عليه دولياً ولها سلطة تقديرية في إتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن أمنها وسلامتها، وتتسع هذه الإجراءات وتضيق حسب الظروف التي تكتنف الدولة، ولا يرد على هذا الحق إلا قيد حسن إستعماله بحيث يكون قرارها في هذا الشأن قائماً على سبب يبرره.
وحيث إنه من المقرر أن قرار إسقاط الجنسية يثبت من أي واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة، وتملك جهة الإدارة في هذا الصدد سلطة تقديرية واسعة لا تخضع لرقابة القضاء ما دام قرارها خلا من إساءة إستعمال السلطة.
وحيث إنه من المستقر عليه أن القرار الإداري يحمل على سببه الصحيح ما لم يقم الدليل على عدم صحته وأنه لا إلزام على جهة الإدارة بتسبيب قراراتها ما لم يلزمها القانون بذلك، وأن عيب إساءة إستعمال السلطة أو الإنحراف بها هو من العيوب القصدية في السلوك الإداري قوامها أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة إستعمال السلطة أو الإنحراف بها، وهذا العيب يجب أن يشوب الغاية من القرار بأن تكون الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة التي يتغياها القرار أو تكون قد أصدرت القرار بباعث لا يمت لتلك المصلحة، وعلى هذا الأساس فإن عيب إساءة إستعمال السلطة يجب إقامة الدليل عليه لأنه لا يفترض.
لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق صدور أمر ملكي بإسقاط الجنسية البحرينية عن (31) شخص – من بينهم المدعي – لتسببهم في الأضرار بأمن الدولة، وذلك على النحو الثابت بكتاب معالي وزير الديوان الملكي رقم …… المؤرخ 6/11/2012، والذي تم إثبات محتواه بمحضر جلسة 23/12/2013، على نحو ما سبق الإلماح إليه، فإنه وأياً ما يكون الأمر في شأن الأسباب التي يمكن أن تقدم تبريراً لإسقاط الجنسية عن المدعي، فإن الأمر، من قبل ومن بعد، يبقى رهين ما تطمئن إليه السلطة المختصة بإصدار قرارات إسقاط الجنسية – لاسيما في حالة الإضرار بأمن الدولة – بإعتبار أن هذه القرارات الأخيرة مما يتصل اتصالاً وثيقاً بمسائل الأمن القومي والتي تحيطها إعتبارات قد لا يكون من الملائم لسلامة الدولة الإفصاح عنها. لما كان ذلك، وإذ لم يقدم المدعي ما يدل على أن قرار إسقاط جنسيته مشوب بعيب إساءة إستعمال السلطة، فمن ثم يكون القرار المطعون فيه مطابقاً للقانون ولا مطعن عليه.
كما لا ينال من ذلك نعي المدعي على القرار الطعين مخالفته للدستور الذي لم يجز إسقاط الجنسية إلا في حالة الخيانة العظمى، فضلاً عن مخالفته للمعاهدات الدولية التي إنضمت إليها مملكة البحرين والتي تحظر إسقاط الجنسية لأسباب سياسية أو دينية أو لأسباب متعلقة بالجنس أو العنصر، لاسيما وأنه لم يصدر ضده أية أحكام جنائية تبرر إسقاط جنسيته، فهذا الدفع مردود بأن الدستور أجاز إسقاط الجنسية – بخلاف حالة الخيانة العظمى – في الأحوال التي يحددها القانون، فكان أن نظم قانون الجنسية البحريني لعام 1963 حالات إسقاط الجنسية على النحو المشار إليه سلفاً، ومن ثم فإن هذا الدفع ينطوي على فهم خاطئ لأحكام الدستور والقانون، وإذ لم يقدم المدعي ثمة دليل على أن إسقاط جنسيته كان لأسباب سياسية أو دينية أو لأسباب متعلقة بالجنس أو العنصر، ومع خلو الأوراق من ثمة نص يستلزم صدور حكم جنائي على من يُراد إسقاط جنسيته، مما يكون معه القرار الطعين محمولاً على سببه الصحيح بلا معقب عليه من جهة القضاء الإداري إلا في حدود عيب الإنحراف بالسلطة وهو ما لم يقم عليه دليل من الأوراق، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه قد صدر ممن يملك سلطة إصداره قانوناً متفقاً وصحيح حكم القانون بمنأى عن الإلغاء عند الطعن عليه، ومن ثم يضحى طلب إلغائه قائماً على غير أساس سليم من القانون جديراً بالرفض”.
وبعبارات مختصرة جداً فإن هذا الحكم ينتهي إلى أن القرار الصادر في 6/نوفمبر/2012، بإسقاط الجنسية عن (31) مواطن، هو قرار يستند إلى حكم القانون، ولا يخالف أحكام الدستور، ولا أحكام المعاهدات والإتفاقيات الدولية التي إنضمت إليها البحرين، و أن القانون لا يستلزم صدور حكم جنائي بإدانة من صدر القرار بإسقاط جنسيته. كما ينتهي هذا الحكم إلى أن الجهة التي أصدرت القرار ليست ملزمة بأن تفصح عن الأسباب التي دعتها إلى إصدار قرار إسقاط الجنسية، لأن هذا القرار “يتصل إتصالاً وثيقاً بمسائل الأمن القومي و التي تحيطها إعتبارات قد لا يكون من الملائم لسلامة الدولة الإفصاح عنها“، و ذلك حسبما ذهبت إليه المحكمة. وأخيراً، ينتهي الحكم إلى أنه طالما لم يقم الدليل على أن قرار إسقاط الجنسية مشوب بعيب إساءة إستعمال السلطة، فإن القرار يكون مطابقاً للقانون و لا سبيل للطعن عليه.
والواقع أن كل هذا الذي إنتهت إليه المحكمة، في حكمها سالف البيان، يكشف عن توجه يعصف عصفاً شديداً بكل المبادئ و القواعد القانونية المستقرة فيما يعرف بالرقابة القضائية على أعمال الإدارة، هذا فضلاً عن أنه يضرب بعرض الحائط أحكام الدستور، ونصوص المعاهدات والإتفاقيات التي إنضمت إليها مملكة البحرين، و ذلك للأسباب التالية:
أولاً: لا بد من الإشارة – في بادئ الأمر – إلى مسألة فنية بالغة الأهمية في إطار هذه الورقة، وهي أن الحكم القضائي الذي نحن يصدده يؤكد على أمر أساسي وجوهري هو أن الأمر الصادر بإسقاط الجنسية عن المواطنين الواحد والثلاثين هو قرار إداري يخضع للرقابة القضائية على مشروعية أعمال الإدارة، شأنه في ذلك شأن سائر القرارات التي تصدر من جهة الإدارة. وتبعاً لذلك فإن قرار إسقاط الجنسية ليس عملاً من أعمال السيادة التي تخرج عن نطاق الرقابة القضائية.
وتبعاً لهذا التوصيف، فإن الفقه و القضاء الإداري مستقران تماماً على أن أسباب إلغاء القرارات الإدارية تتمثل في أحد الأسباب أو العيوب التالية:
أ- عيب عدم الإختصاص، أي أن يصدر القرار الإداري من جهة غير مختصة قانوناً بإصداره.
ب- عيب الشكل، و يعني أن شكل القرار و القواعد الإجرائية التي يتطلبها القانون في القرار، لم يتم التقيد بها.
ج- عيب مخالفة القانون، و المقصود بذلك مخالفة القرار الإداري للقانون بمعناه الواسع، سواء الدستور أو القوانين أو اللوائح و غيرها من القواعد القانونية كالعرف و المبادئ العامة للقانون.
د- عيب السبب، و يعني أن كل قرار إداري يجب أن يكون مستنداً إلى سبب يبرر إصداره، و إلا كان القرار باطلاً لفقدانه ركناً أساسياً هو سبب وجوده.
هـ- عيب الإنحراف بالسلطة، و المقصود بهذا العيب أن يستخدم رجل الإدارة سلطته التقديرية لتحقيق غرض غير معترف له بتحقيقه. (أنظر في أسباب القرارات الإدارية: مجلس الدولة و الرقابة القضائية على أعمال الإدارة في جمهورية مصر العربية – الأستاذ الدكتور محمد عبدالعال السناري – ص: 440 – طبعة 2002).
وطالما أن الأمر كذلك، فإنه لابد من مناقشة الحكم القضائي، وتبعاً لذلك قرار إسقاط الجنسية، على ضوء القواعد سالفة البيان.
ثانياً: إن حجز الزاوية الذي يقوم عليه الحكم القضائي، الذي إنتهى إلى مشروعية قرار إسقاط الجنسية، يتمثل في نص المادة (17) من الدستور، والذي يجري على أن “أ- الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون”.
وإستناداً إلى هذا النص يذهب الحكم إلى القول بأن المادة (10/ فقرة ج) من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 تنص على أنه “يجوز بأمر عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية: ج- إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة”.
ويتضح من هذا النص الأخير أن قانون الجنسية، وبصرف النظر عن مدى إتفاقه مع أحكام الدستور – الذي لم تعرفه البحرين إلا بعد عشر سنوات من إصدار قانون الجنسية – وبصرف النظر أيضاً عن مدى إتفاق هذا القانون مع أحكام المعاهدات والإتفاقيات الدولية التي إنضمت إليها البحرين بعد إصدار ذلك القانون بسنوات طويلة، بصرف النظر عن كل ذلك، فإن قانون الجنسية يشترط لإسقاط الجنسية البحرينية عن أي شخص يتمتع بها أن يكون قد تسبب في الإضرار بأمن الدولة. وهذا يعني، ببساطة شديدة أن يكون ذلك الشخص قد إرتكب من الأفعال ما ترتب عليه إضرار بأمن الدولة. وحيث أن مصطلح، أو تعبير “الإضرار بأمن الدولة”، أصبح بعد صدور قانون العقوبات البحريني في عام 1976، مصطلحاً يعني القيام بأي فعل من الأفعال المجرمة بموجب الفصل الأول من الباب الأول من قانون العقوبات، وهي الأفعال التي تمثل الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي، والمعاقب عليها بموجب المواد من (112) إلى (146) من قانون العقوبات. أو الأفعال المجرمة بموجب الفصل الثاني من الباب الأول من قانون العقوبات، وهي الأفعال التي تمثل الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي، والمعاقب عليها بموجب المواد من (147) إلى (184) من قانون العقوبات.
وتبعاً لذلك، فإن ما إنتهى إليه الحكم القضائي سالف الذكر من أن “الأمر، من قبل ومن بعد، يبقى رهين ما تطمئن إليه السلطة المختصة بإصدار قرارات إسقاط الجنسية – لا سيما في حالة الإضرار بأمن الدولة – بإعتبار أن هذه القرارات الأخيرة مما يتصل إتصالاً وثيقاً بمسائل الأمن القومي والتي تحيطها إعتبارات قد لا يكون من الملائم لسلامة الدولة الإفصاح عنها”، هذا الذي إنتهى إليه الحكم هو محض باطل لا يستقيم، بأي شكل من الأشكال، مع ما إستقر في القانون البحريني بشأن الأفعال التي تسبب إضراراً أو مساساً بأمن الدولة، والتي تكفلت نصوص قانون العقوبات ببيانها على النحو الذي تقدم ذكره. فلابد أن يتضمن قرار إسقاط الجنسية، الذي يستند إلى السبب الثالث من الأسباب التي عددتها المادة (10) من قانون الجنسية، بياناً بالأفعال التي إرتكبها من أسقطت عنه الجنسية. ولا شك بأن الجزم بإرتكابه لأي فعل مسبب للإضرار بأمن الدولة لا يتأتى إلا من خلال حكم قضائي بات، إنتهى إلى إدانة ذلك الشخص بإرتكاب فعل معاقب عليه بموجب القانون.
وتأكيداً لصحة ما أقرره في هذا الشأن، فإني أستأذنكم في إستعراض السببين المنصوص عليهما في ذات المادة (10) من قانون الجنسية، لإسقاط الجنسية. و هما “إذا دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقي فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها، أو: ب- إذا ساعد أو إنخرط في خدمة دولة معادية”. فهل يجوز في أي من هاتين الحالتين مجرد القول بإسقاط الجنسية بأن أحداً من الأشخاص قد دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون بيان الدليل على إلتحاقه بتلك الخدمة، لا بل دون تقديم الدليل على أن حكومة البحرين قد أمرته بترك الخدمة العسكرية التي إلتحق بها؟ وهل يجوز مجرد القول بأن شخصاً قد ساعد أو إنخرط في خدمة دولة معادية، دون تقديم أو بيان الدليل على قيامه بهذا الفعل؟ ولعله من المفيد – في هذا الشان – تذكير هيئة المحكمة الموقرة التي أصدرت الحكم، موضوع البحث، أن هذين السببين، المنصوص عليها بموجب الفقرتين (أ) و(ب)، هما من الأفعال المعاقب عليهما بموجب المواد (113) و(114) و(115) من قانون العقوبات. وهو ما يؤكد صحة ما قلناه بأن إسقاط الجنسية البحرينية، بموجب الحالات المنصوص عليها طبقاً للمادة (10) من قانون الجنسية لا يصح، ولا يجوز، إلا بناء على سبب قائم على حكم قضائي قطع – بشكل بات – بإرتكاب من تقرر إسقاط الجنسية عنه، لأي فعل من الأفعال المنصوص عليها بموجب تلك المادة، وذلك بإعتبار أن تلك الأفعال مجرمة بنص في القانون، وليس بمحض تقدير مطلق تذهب إليه جهة الإدارة من تلقاء نفسها.
ثالثاً: إن إسقاط الجنسية عن أي مواطن حصل عليها، بشكل يتوافق وأحكام القانون، وإستناداً إلى الأسس التي إستقرت عليها الجماعة الدولية، والمتمثلة في رابطة الأرض، أو رابطة الدم، هو – أي إسقاط الجنسية – من قبيل العقوبة التي لا يجوز توقيعها على أي شخص دون أن يكون هذا الشخص قد إرتكب جريمة معاقب عليها بإسقاط الجنسية. والقول بغير ذلك، على النحو الذي ذهب إليه الحكم القضائي موضوع هذه الورقة، بقوله أن قرار إسقاط الجنسية، الصادر بحق (31) مواطن، لا يخالف الدستور، هو قول باطل، حال كونه مخالف لحكم المادة (20/فقرة أ) من الدستور، والتي تنص على أنه “أ- لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون …”. هذا فضلاً عن مخالفة ذلك الزعم الذي ذهب إليه الحكم، لنص الفقرة (ج) من ذات المادة (20) من الدستور والذي ينص على أن “ج- المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤّمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون”.
وليس أدل على صحة ما أقرره في هذا الصدد، من كون إسقاط الجنسية عن المواطن البحريني هو من قبيل العقوبة التي لا يجوز تقريرها إلا بناء على حكم قضائي يستند إلى نص في القانون، ليس أدل على صحة ذلك من نص المادة (24/مكرر) من المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 2013 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، والذي يجري على أنه “بالإضافة إلى العقوبة المقررة، يُحكم بإسقاط الجنسية عن المحكوم عليه في الجرائم المنصوص عليها في المواد من (5) إلى (9) و(12) و(17) من هذا القانون. ولا ينفذ الحكم الصادر بإسقاط الجنسية إلا بعد موافقة ملك البلاد”.
ويتضح من هذا النص أن إسقاط الجنسية عن المواطن البحريني هو من قبيل العقوبة التي لا يجوز إيقاعها على من إرتكب تلك الأفعال المحددة بموجب أحكام قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، إلا بناء على حكم قضائي. بل أن نفاذ هذه العقوبة لا يكون إلا بعد موافقة الملك عليها، شأنها في ذلك شأن عقوبة الإعدام، التي لا تنفذ إلا بعد موافقة ملك البلاد عليها، طبقاً لحكم المادة (51) من قانون العقوبات.
وبعد كل هذا، تخرج علينا المحكمة التي شرّعت إسقاط الجنسية عن (31) مواطناً، لتقول لنا بأن إسقاط الجنسية عنهم جائز بمجرد قرار إداري!! وأنه لا حاجة لتسبب هذا القرار التي يتساوى في أثره مع الحكم المترتب على الإعدام، أي إزهاق الروح، فأي محكمة يمكن أن تذهب لما ذهبت إليه المحكمة التي أصدرت ذلك الحكم؟
فضلاً عن هذا، وذاك، فإن وصف الأمر الصادر من عظمة الحاكم أو جلالة الملك بأنه محض قرار إداري، ونفي وصف العقوبة عنه، هو زعم يترتب عليه المساس بالذات الملكية – التي أسبغ عليها الدستور حماية مطلقة – والنزول بها لمنزلة الموظف العام الذي يتخذ القرارات الإدارية في إطار ممارسته لوظيفة عامة. في حين أن الأمر هو أبعد ما يكون عن ذلك. فالأمر بإسقاط الجنسية عمن إرتكب أحد الأفعال المنصوص عليها بموجب المادة (10) من قانون الجنسية، هو عقوبة تُرك أمر إيقاعها، في العام 1963، بيد عظمة الحاكم، إذا ما ثبت إرتكاب أحد المواطنين لإحدى جرائم المادة (10) من قانون الجنسية. ولا أحسب أنه بعد صدور دستور للبلاد، وسن قانون للعقوبات، حدد بنصوص واضحة ما يعد من قبيل المساس بأمن الدولة، وإنخراط الدولة في الجماعة الأممية من خلال العهود والمواثيق والإتفاقيات الدولية، لا أحسب بعد كل ذلك أنه يصح القول بأن إسقاط الجنسية عن أي مواطن هو أمر متروك لمجرد صدور قرار إداري لا حاجة فيه حتى للتسبيب.
وحيث أنه لم تصدر أي أحكام قضائية جنائية باتة بإدانة المدعي، في الدعوى التي نحن بصددها، عن أي فعل من الأفعال المنصوص عليها بموجب المادة (10) من قانون الجنسية، فإن الأمر الصادر بإسقاط الجنسية عنه هو أمر مخالف للقانون، فضلاً عن بطلانه لإنعدام السبب.
رابعاً: وقبل أن أختم هذه الورقة، فإنه لابد لي من الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية وهي “مدى توافق القوانين الوطنية مع إلتزامات البحرين الدولية”. ذلك أنه من المعروف أن طائفة من القوانين النافذة والمعمول بها في الوقت الراهن، ومنها على سبيل المثال قانون العقوبات وقانون الجنسية، وهما من القوانين ذات الأثر البالغ على منظومة الحقوق والحريات العامة، هي قوانين صدرت قبل إنضمام البحرين إلى العديد من الإتفاقيات والمواثيق الدولية، التي منها – على سبيل المثال – العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وهو ما إستوجب بالضرورة مراجعة تلك القوانين وتعديلها بما يتوائم مع أحكام هذه العهود والإتفاقيات الدولية. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل، وظلت أحكام القوانين الوطنية ذات النكهة الإستبدادية قائمة لم تمسسها يد التطوير لتزيل عنها ما يخالطها من مذاق التعسف والإعراض عن قيم ومبادئ الإنصاف والعدالة التي تتميز بها عهود ومواثيق الجماعة الدولية، وأضحى إنضمام البحرين للعديد من الإتفاقيات الدولية، محل هذا البحث، مجرد حبر على ورق.
المحامي محمد أحمد عبدالله
27/مايو/2014
معاناة المسقطة جنسياتهم
زهراء مرادي – نادي العروبة – 27 مايو 2014م
لا يخفى على أحدٍ أنّ عددًا لا بأس به من أبناء هذا الوطن كانوا يعانون من حرمانهم من الجنسية البحرينية لعدّة عقود، وقد ناضل العديد من الشرفاء والحقوقيين في الداخل والخارج .. أفرادًا وتنظيمات؛ من أجل حلّ هذه المشكلة. وجاءت مرحلة ما بعد ميثاق العمل الوطني، ليؤكّد أعلى رأس في الدولة أنّ “ملف البدون قد أُغْلِق تمامًا”.
والواقع أنّه لم يُغْلَق؛ ولذا جاء اقتراح الأستاذ عبدالهادي الخواجة (فرّج الله عنه) الرئيس السابق لـ (مركز البحرين لحقوق الإنسان) بتشكيل لجانٍ أهلية، يقوم فيها أصحاب القضايا بتبنّي قضاياهم، إضافةً إلى عددٍ من الناشطين والحقوقيين، فتأسست (اللجنة الوطنية للمحرومين من الجنسية). يومها كان عدد الملفات 164 ملفًا، الملف الواحد قد يتضمّن شخصًا واحدًا أو عائلةً كاملةً. وعندما كنّا نراجع الإدارة العامة للهجرة والجوازات، كان الرد إن الحالات مستوفية للشروط والطلبات، لكنّ الأمر بيد الديوان الملكي. وظلّ الملف مراوحًا مكانه منذ ذلك التاريخ وإلى هذه اللحظة.
وجاءت أحداث 2011م، وأقحمت السلطة (إسقاط الجنسية) ضمن حزمة العقوبات على المعارضين؛ بغرض ليّ الذراع، أو التشفي والانتقام، أو إشغال الساحة بقضايا جانبية تشغلهم عن القضايا المطلبية الأساسية.
وعلى الرغم مِن أنّ مَن أُسْقِطت جنسياتهم (صمود) .. كونهم رفضوا التخلّي عن قناعاتهم بتأييد المطالب الشعبية، وعلى الرغم من تصريحاتهم بأنّ ما يعانونه لا يعدّ شيئًا مقابل تضحيات الشهداء والجرحى، إلا أنّ ذلك لا يعني أبدًا صرف الأنظار عن المعاناة التي تطحنهم بصورةٍ يومية.
صحيح أنّ جميع أطياف المعارضة يتعرّضون للقمع، وقد تُنتهَك حقوقهم في أيّة لحظة، لكنّه – لا أقل – يُعْترَف بانتمائهم لهذه الأرض، في حين أنّ الأخوة والأخت الكريمة الذين أُسْقِطت جنسياتهم تحوّلوا بجرّة قلمٍ إلى غرباء في أوطانهم؛ وذلك لأنّ الحكم بإسقاط الجنسية هو حكمٌ بالضياع وربما بالفناء.
ولا يشعر بمرارة (إسقاط الجنسية) إلا من يكابد مرارتها، ولكي نستشعر معنى الحرمان من الجنسية تخيّل نفسك طوال التسعة عشر الأشهر الماضية: كم مرة استخدمت جواز سفرك وبطاقتك الذكية؟ كم مرة تعاملت مع دوائر حكومية؟ وكم مرة سافرت وتنقلت؟ وفي المقابل، لك أن تتخيل أن هذه المجموعة – وطوال هذه المدة – حياتهم متوقفة ومجمدة.
ومن صور معاناتهم:
1) الحرمان من حق الهوية، ومن الأوراق القانونية والثبوتية. كأنّ أحدهم يسألك: من أنت؟ فتجيب: أنا فلان؟ فيسألك: طيب، ما الذي يثبت أنك فلان؟
2) الشعور بالخوف والقلق من الترحيل عن البلد والإبعاد عن الأسرة والأهل.
3) الحرمان من السفر، وإن كان بغرض العلاج أو الدراسة.
4) تقييد حرية التنقل في داخل البحرين؛ خشية التعرض للمساءلة والتوقيف أو حتى الاعتقال في نقاط التفتيش المنتشرة في كل مكان.
5) الحرمان من لمّ شمل العائلة، فبعض الذين أُسْقِطت جنسياتهم يقيمون في الخارج، أو كانوا وقت إصدار هذا القرار المتعسّف في سفر؛ مما ترتّب عليه بقاءهم في الخارج إلى أن يأذن الله تعالى لهم بالفرج. وأحيانًا، من أُسْقِطت جنسياتهم يقيمون في البحرين، فلا يتمكّنون من الالتقاء بذويهم الذين هم خارج البحرين.
6) بعض هؤلاء زوجاتهم أجنبيات، فصرن يتعرضن لمضايقات بخصوص الإقامة، على الرغم من أنّ أطفالهنّ بحرينيون.
7) عدم القدرة على التصرّف حتى في أملاكهم الخاصة.
8) الحرمان من التأمين الاجتماعي: تصور أنّهم كانوا يعملون لسنوات طويلة، وكان يُقتطع من راتبهم، ليضمنوا أنفسهم اقتصاديًا في مرحلة التقاعد، فإذا بهم يُعاملون كما يعامل الموظف الأجنبيٍ.
9) قطع الإعانات المعيشية كعلاوة السكن وعلاوة الغلاء.
10) الحرمان من الخدمات الإسكانية، فبعض الأخوة يسكن في الإيجار، وبعضهم يعيش في غرفةٍ واحدةٍ في بيت الوالد.
11) التعرّض للمضايقة والإحراج حينما يراجعون المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية؛ لتلقي العلاج.
12) الحرمان من الحصول على الوظيفة، وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض الأخوة قد فُصِلوا من أعمالهم ممّن كانوا يعملون في القطاع الخاص.
13) تجميد كافة المعاملات الحكومية، وصعوبة إجراء المعاملات البنكية.
14) الحرمان من توكيل محامٍ لرفع الدعوى في المحكمة، ففي هذه القضية تحديدًا لم يتمكّنوا من توكيل محام إلا بعد تدخل مندوبين من قبل منظمة العفو الدولية.
15) الحرمان من كافة الحقوق السياسية، كالحق في التصويت والترشّح والانتخاب.
وأختتم سلسلة معاناة المسقطة جنسياتهم بمحنة الطفلة (فاطمة)، يقول والدها: “في تاريخ 11/7/2013م رزقني الله بمولودة سميتها فاطمة، وكنا ننتظرها قرابة الـ 16 عامًا، لكنها أضحت اليوم ضمن (المحرومين من الجنسية). فبعد ولادتها في مجمع السلمانية الطبي، تمكّنتُ بصعوبةٍ بالغةٍ من إصدار شهادة ميلاد لها. حُرِمَت فاطمة من الجواز ومن بطاقة الهوية، فحينما ذهبت لإصدار جواز سفر لها، رفضوا ذلك بحجة أنني لا أحمل الجواز البحريني. واليوم، عند مراجعتنا للمراكز الصحية؛ لأخذ جرعات التطعيم نعتمد على دفتر التطعيم بدلاً من بطاقة الهوية، وفي كثيرٍ من الأحيان نضطر للذهاب إلى العيادات الخاصة المكلفة”.
وختامًا، نتوجّه بخطابنا إلى الحكومة بأن تقوم بإرجاع الجنسيات لـ 31 مواطنًا، فنحن نعلم وهم يعلمون أن هذه المأساة لن تستمر، وكما أرجعوا جنسيات من سُحِبت جنسياتهم في الثمانينات وما قبلها، وبعد مضي أكثر من عقدين من الزمن. نقول لهم: وفّروا على أنفسكم وعلى هذه الشريحة المظلومة الوقت والمعاناة؛ لأنّه لا يصحّ في النهاية إلا الصحيح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البحرين: اسقاط الجنسية سلاح للقمع السياسي
يعرض هذا التقرير المختصر محاولة للتعرف على الخلفية التاريخية للقرار، والإشكالات القانونية والحقوقية عليه، وحيثيات القرار ومترتباته، وايضاً من هي الشخصيات المسقطة عنهم الجنسية البحرينية، وردود الأفعال المصاحبة للقرار، والتوصيات بهذا الشأن لضمان عدم تكرار ذلك.
حيثيات قرار اسقاط الجنسية
في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 أصدرت وزارة الداخلية البحرينية قراراً بإسقاط الجنسية البحرينية عن 31 مواطناً بحرينياً، وهم:
- د. سعيد الشهابي (ناشط سياسي ومعارض)
- إبراهيم كريمي (رجل اعمال)
- جعفر الحسابي (ناشط سياسي ومعارض)
- علي مشيمع (ناشط سياسي ومعارض)
- عبد الرؤوف الشايب (ناشط سياسي ومعارض)
- موسي عبد علي (ناشط اعلامي ومعارض)
- عباس عمران (ناشط حقوقي ومعارض)
- محمد الخراز (معارض)
- قاسم الهاشمي (ناشط سياسي ومعارض)
- حسن أمير صادق (معارض)
- سيد محمد علي الموسوي (ناشط اجتماعي)
- د.عبدالهادي خلف (اكاديمي معارض)
- السيدعلوي البلادي (عالم دين)
- حسين حبيل (ناشط حقوقي ومعارض)
- الشيخ حسين النجاتي (عالم دين)
- الشيخ محمد سند (عالم دين)
- كمال أحمد كمال (ناشط اعلامي ومعارض)
- غلام محمدي (معارض)
- محمد فتحي (معارض)
- سيد عبد النبي الموسوي (ناشط اجتماعي)
- تيمور كريمي (محامي)
- محمد رضا عابد (ناشط سياسي ومعارض)
- حبيب درويش (ناشط اجتماعي)
- إبراھيم عباس (معتقل سياسي)
- مريم السيد إبراهيم (موظفة)
- سيد أمير الموسوي (منشد ديني)
- إبراھيم خليل (رجل اعمال)
- إسماعيل خليل (رجل اعمال)
- عدنان احمد كمال (رجل اعمال)
- جواد فيروز (نائب برلماني سابق)
- جلال فيروز (نائب برلماني سابق)
الاشكالية الدستوريه
ينص ” قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 ” المعدل بموجب: مرسوم بقانون رقم ( 12 ) لسنة 1989 ، ومرسوم بقانون رقم ( 10 ) لسنة 1981 ” بند “إسقاط الجنسية البحرينية” 10 – يجوز بأمر عظمة الحاكم اسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية:
أ) إذا دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقى فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها ، أو
ب) إذا ساعد أو انخرط في خدمة دولة معادية ، أو
ج) إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة.
كما ينص الدستور البحريني على أن: “الحقوق والواجبات العامة – المادة 17 أن الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون”. وبناء على ما تقدم، لم يستند قرار وزير الداخلية المنفعل إلى الدستور أو القانون في البحرين، فهو يتناقض مع نصوص دستوري 1973 و 2002 التي تربط الاجراء بأمر ملكي أولاً وأن يكون مسبباً عن أمر أو عقوبة قضائية ثانياً، حيث ينص القانون على “إسقاط الجنسية بسبب الخيانة العظمى أو الانتماء إلى القوات المسلحة في دولة أجنبية أو الاحوال التي يقررها القانون”. وعليه فان اصدار أمر اسقاط الجنسية من قبل وزير الداخلية بإرادته المنفردة يعد مخالفاً للدستور ولقانون الجنسية وفاقداً للاشتراطات القانونية للقرار الإداري، ومشوباً بعيب الاختصاص وعيب الانـحراف بالسلطة، كونه قد صدر من شخص غير مخوّل قانونا ًبإصداره، وأنه يتوجب لصدور القرار صحيحاً ألا يكون محله متعارضاً مع نص قانوني، أو مخالفاً للتفسير الصحيح للنصوص، أو مخطئاً في تطبيق القانون على الوقائع، لا بل ان الدستور يجرم عمل وزير الداخلية الذي تجاوز على الصلاحيات الممنوحة له، لأن إسقاط الجنسية وإن كان بسبب “الخيانة العظمى أو الانتماء إلى القوات المسلحة في دولة أجنبية أو الاحوال التي يقررها القانون”، فهي قضايا يحددها القضاء وليس السلطة التنفيذية متمثلة في وزير الداخليه, فضلاً أن عدداً من الذين تم اسقاط الجنسية عنهم لم يكن في ذمتهم أي مأخذ قانوني أو أمني يتعلق بارتكاب ما استند عليه القرار الصادر بشأن اسقاط جنسيتهم، ولم يتم استدعاؤهم ولا التحقيق معهم ولا مقاضاتهم.
مخالفة القرار للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
يعتبر اسقاط الجنسية عن المواطنين خرقاً واضحاً لقواعد القانون الدولي وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان الأساسية، فالبحرين صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 2006 ، بحكم القانون رقم 56 للعام 2006 ، وهذا العهد يفصّل التزامات الدولة المحدّدة في مواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في العام 1948 والذي يحظر انعدام الجنسية.
وتنص المادة الثانية من الاعلان العالمي على أن “لكل إنسان حق التمتع بالحقوق كافة والحريات الواردة في هذا الإعلان، من دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء… ). والمادة 15 من الاعلان العالمي تنص على أن:
(1) لكل فرد حق التمتع بجنسية ما
(2) لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها
ويفصّل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحقوق المستوجبة لكل مواطن يعيش في دولة صادقت على هذا العهد (كما هو حال البحرين) يؤسس العهد في ديباجته ” إن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل، وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في أن يكون البشر أحراراً، ومتمتعين بالحرية المدنية والسياسية ومتحررين من الخوف والفاقة، هو “سبيل تهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وكذلك بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية …”.
وتوجب المادة (2) من العهد الدولي على الدولة التي صادقت عليه بأن “تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها من دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيّاً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب ..” كما تنص المادة (2) على أنه “تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريّاً لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية” , أما المادة الخامسة من العهد الدولي فهي واضحة اذ تنص على انه “ليس في هذا العهد أي حكم يجوز تأويله على نـحو يفيد انطواءه على حق لأي دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي عمل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد أو إلى فرض قيود عليها أوسع من تلك المنصوص عليها فيه” … و “لا يقبل فرض أي قيد أو أي تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها أو النافذة في أي بلد تطبيقاً لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف، بذريعة كون هذا العهد لا يعترف بها أو كون اعترافه بها في أضيق مدى”.
الآثار المترتبة على قرار اسقاط الجنسية
إن قرار اسقاط الجنسيه قد ألقى بآثاره وظلاله الثقيلة على الضحايا وعائلاتهم في واقعهم اليومي في المجالات المعيشيه والاجتماعية والمدنية والخدماتية والسياسية والحقوقية والامنية جراء التطبيق التام من الجهات الرسمية المعنية لهذا القرار التعسفي، ومن جملة معاناتهم ما يلي:
- الحرمان من حق الهوية، ومن الأوراق القانونية والثبوتية، ويكونون عرضة لقوانين الهجرة والإقامة وغيرها.
- فقدان الشعور بالأمان على كل المستويات، والشعور بالتهديد الأمني الدائم، بحيث يكونون معرضين للاعتقال في أي نقطة تفتيش أو منفذ حدودي.
- حرمان أبنائهم حديثي الولادة من الجنسية.
- لم يعد للاشخاص المسقطة جنسياتهم الحق في اي من الخدمات التي تقدمها الدولة ومنها:
– الخدمات الصحية و الاسكان وغيرها.
– حق التملك أو التصرف في املاكهم الخاصة.
– الحقوق المتعلقة بالتقاعد والاستحقاقات المالية.
– حق العمل والتكسب، خاصة في المؤسسات الحكومية، وأغلب المتواجدين في البحرين بلا عمل، ومن وظفوا في القطاع الخاص قد تم فصلهم فيما بعد.
– إجراء اي معامله حكومية خاصه أو ذات صله.
– حق علاوة السكن وعلاوة الغلاء وطلبات الاسكان والتأمين الاجتماعي
– الحرمان من السفر، وبذلك عدم المقدرة على مزوالة اعمالهم في الخارج.
– الشعور بالقلق الدائم على مصير الآباء منهم على مستقبل الأبناء والعائلة.
– الحرمان من التواصل بين افراد العائلة الواحدة بالاضافة إلى تفكك الأسر بسبب تواجد بعضهم في الخارج والآخرين في الداخل، وفقدان الاستقرار التام
– المعاناة المعيشية للبعض، خاصة الأسر التي أصبح كلا الزوجين دون عمل أو دخل.
– عدم إمكانية من هم في الخارج من العودة للوطن لمزاولة مصالحهم.
– الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية والمدنية مثل حق التصويت والترشح والانتخاب.
ردود الافعال الدولية
المفوضة السامية لحقوق الإنسان
روبرت كولفيل، المتحدث باسم مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان (المفوضية)، وقال للصحفيين في جنيف. أن المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي تعرب عن أسفها للقرار الذي اتخذته السلطات البحرينية يوم 7 نوفمبر لاسقاط الجنسية من 31 مواطناً “بعد أن أضرت بأمن الدولة “، والتي قد تترك حوالي 16 منهم عديمي الجنسية. “وقالت إنها تحث الحكومة على إعادة النظر في هذا القرار، والتي تقف في انتهاك واضح للمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن:” لكل فرد حق التمتع بجنسية ما “و” لا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفاً “. وأضاف السيد كولفيل يتوقع من الدول أن تتقيد بالمعايير الإجرائية الدنيا للتأكد من أن القرارات المتعلقة بالحرمان من الجنسية لا تحتوي على أي عنصر من عناصر التعسف.
هيومن رايتس ووتش
قالت اليوم إن على السلطات البحرينية إلغاء قرارها المعلن بنزع الجنسية عن 31 شخصاً بزعم إضرارهم بأمن البلاد. يشمل القرار نشطاء سياسيين ومحامين ونشطاء حقوقيين. تم فرض القرار بلا إجراءات قانونية سليمة وسوف يترك غالبيتهم بدون جنسية . قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “يبدو قرار حكومة البحرين المتعجل بحرمان 31 شخصاً من الجنسية وكأنه يتجاهل حقوقهم تماماً. لا يوجد مبرر لمساواة أنشطة المعارضة السياسية بالإضرار بأمن البحرين”. إن نزع الجنسية بدون مراعاة الإجراءات القانونية السليمة ينتهك حقوق مواطني البحرين بموجب القانون الدولي. وتنص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يعتبر تجسيداً للقانون الدولي العرفي، على أن “لكل شخص الحق في التمتع بجنسية” و”لا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته بشكل تعسفي”. كما أن الترحيل غير القانوني قد ينتهك حقوقاًُ أخرى، منها الحق في عدم التعرض للتدخل التعسفي في الحياة الأسرية، بموجب المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وهو العهد الذي انضمت إليه البحرين.
منظمة العفو الدولية
لقد قدَّمت السلطات أسباباً غامضة للغاية لقرار إسقاط الجنسية عن أولئك الشخصيات، وهو قرار يبدو أنه اتُّخذ بسبب الآراء السياسية للضحايا. ومما يثير القلق العميق أن السلطات، بهذا الإجراء، إنما تجعل بعض أفراد المجموعة عديمي الجنسية، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي، شأنه شأن كل أشكال التجريد التعسفي من الجنسية.
“إننا ندعو السلطات البحرينية بإلحاح إلى إلغاء هذا القرار المريع.” وأشار بيان وزارة الداخلية إلى قانون الجنسية البحريني الذي “يجيز إسقاط الجنسية بأمر من الملك عن أي مواطن إذا تسبَّب ذلك المواطن بالإضرار بأمن الدولة.
عضو اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق البروفيسور السير نايجل رودلي
قال عضو اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق البروفيسور السير نايجل رودلي في مقابلة خاصة مع صحيفة الوسط البحرينية بمناسبة مرور عام على إصدار تقرير تقصي الحقائق “أعترف بأنني كنت مذهولاً عندما قرأت خبر حرمان ناشطين من الجنسية البحرينية عبر إجراءات موجزة. إنها صفعة في وجه حقوق الإنسان، وهي خطوة استفزازية تسمم الأجواء السياسية”.
الخلاصة
يعد قرار إسقاط الجنسية عن 31 مواطناً الذي اصدره وزير الداخلية بتاريخ 7 نوفمبر 2012 مخالفا للدستور ولقانون الجنسية وفاقداً للاشتراطات القانونية للقرار الإداري، لأن اسقاط الجنسية وإن كان بسبب “الخيانة العظمى أو الانتماء إلى القوات المسلحة في دولة أجنبية أو الاحوال التي يقررھا القانون”، فھو أمر ان يكون مسبباً وبالدليل ويحدّده القضاء المستقل وليس السلطة التنفيذية. فقرار اسقاط الجنسية لم يكن شرعياً في ضمن دائرة الدستور والقوانين المعمول بها في البحرين وهو يناقض مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقد ادانت المنظمات المعنية بحقوق الانسان والعفو الدولية قرار اسقاط الجنسية غير القانوني وهي مستمرة في إدانتها.
كما يعد القرار مخالفا لنصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيث نصت المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمدته حكومة البحرين بحكم القانون رقم 56 لعام 2006 ، على ان: “تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً كان ام غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب”، ونصت المادة 15 من الاعلان العالمي على أنه لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها ويبدو جلياً المخالفة القانونية والانتهاك الحقوقي الذي قام به النظام في البحرين لكل هذه المواثيق التي اعتمدها وصادق عليها في قراره باسقاط الجنسية من مواطنيه وان القرار جاء على خلفية سياسية واستخدامها كأداة قمع ضد معارضي السلطة.
وبناءً على ما سبق، يجب على النظام إلغاء قرار اسقاط الجنسية عن 31 مواطن وإلغاء كل القرارات والإجراءات التي اتخذتها السلطة إستناداً على هذا القرار الباطل وتعويض المتضررين من اسقاط الجنسية بأثر رجعي ومنذ تاريخ إصدار القرار.
التوصيات:
- دعوة حكومة البحرين إلى إلغاء قرار اسقاط الجنسية لمخالفته نص الدستور ومواد القانون البحريني ولمخالفته نصوص المواثيق الدولية التي وقعت عليها البحرين.
- السعي لإلغاء كل القرارات والإجراءات التي اتخذتها السلطة في البحرين إستنادا إلى القرار الباطل باسقاط الجنسية.
- رفع دعوى قضائية دولية لأجل الغاء القرار وتعويض المتضررين من اسقاط الجنسية بأثر رجعي ومنذ تاريخ إصدار القرار.
- إلزام النظام في البحرين بإلغاء قرار اسقاط الجنسية فوراً وفي حال عدم التنفيذ يتم تحويل الملف إلى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة.
- استصدار قرار بمنع السلطة في البحرين من استخدام اسقاط الجنسية كأداة سياسية ضد المعارضين لها.
- إلزام النظام في البحرين بقبول زيارة المقررين الخاصين للتواصل واللقاء مع الذين اسقطت جنسياتهم.
- في حال عدم تقيد النظام في البحرين بتنفيذ طلب المجتمع الدولي بإلغاء قرار اسقاط الجنسية يتم فرض حظر السفر على مسؤولي النظام الى كل دول العالم.
- دعوة المنظمات الحقوقية والمعنية بحقوق الانسان إلى إلزام النظام في البحرين باحترام المعاهدات والمواثيق الدولية بحق المواطن في حصوله على الجنسية.
“إسقاط الجنسية”
بحث حول مفهوم الجنسية وحالات تجرد الفرد منها وضماناتها
في القانون البحريني والقوانين المقارنة
إعداد
السيد محسن العلوي
محامي ومستشار قانوني
2012
محتوى البحث
مبحث تمهيدي: مفهوم الجنسية.
المبحث الأول: حالات تجرّد المواطن من الجنسية في القانون البحريني والقوانين المقارنة:
المطلب الأول: حالات تجرّد البحريني من الجنسية وفقاً لقانون الجنسية البحرينية لعام 1963:
الفرع الأول: سحب الجنسية البحرينية (المجنس) بأمر من الملك.
الفرع الثاني: فقد الجنسية البحرينية اختيارياً، وصدور أمر من الملك.
الفرع الثالث: إسقاط الجنسية البحرينية بأمر من الملك.
المطلب الثاني: حالات تجرّد الفرد من الجنسية في القوانين المقارنة:
الفرع الأول: تجرّد المواطن المصري من الجنسية.
الفرع الثاني: تجرّد المواطن الكويتي من الجنسية.
المبحث الثاني: ضمانات وعيوب إسقاط الجنسية في القانون البحريني والقوانين المقارنة:
المطلب الأول: ضمانات وعيوب قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 بشأن إسقاط الجنسية.
المطلب الثاني: ضمانات القوانين المقارنة بشأن إسقاط الجنسية.
المبحث الثالث: آثار التجرّد من الجنسية في القانون البحريني والقوانين المقارنة.
المبحث الرابع: نموذج لتعسف الدولة في تجريد الجنسية – إسقاط الجنسية من 31 مواطن بحريني.
وسوف نتطرق لتلك البحوث بالتفصيل وفقًا لما هو وارد أدناه:
*********
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد صدور قرار وزارة الداخلية بتاريخ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 بإسقاط جنسية عدد 31 مواطن بحريني على خلفية الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين منذ 14 فبراير/ شباط لعام 2011، حيث احتدم النزاع بين السلطة والمعارضة، حتى بلغ أن تعدت السلطة على جنسيات المواطنين بنزعها من 31 مواطن بحريني دون سند صحيح من القانون المحلي فضلاً عن القانون الدولي، وقد ثار جدل كبير واستياء شعبي و دولي حول ذلك القرار وما تعرض له المواطنين الذين تم إسقاط جنسيتهم. وكان لزاماً على القانونيين أن يوضحوا للعامة حقيقة ما جرى، وحتى يتمكن الإنسان غير القانوني من الوقوف على حقيقة ذلك القرار، فإنه يلزم أن يقف على مفهوم الجنسية “مبحث تمهيدي”، ثم حالات تجرّيد المواطن منها وما هو الفرق بين فقْد الجنسية، وسحبها ،وإسقاطها، وفقًا للقانون البحريني، ثم مقارنة الوضع المحلي بالقوانين المقارنة لنقف على الضمانات الممنوحة في تلك القوانين والمفقوده لدينا بهدف تطوير التشريع البحريني ونقده النقد البناء “المبحث الاول”، وحتى تكتمل الصورة للقارئ الكريم فلا بد من بيان – المبحث الثالث – آثار إسقاط الجنسية، وأخيرًا سوف نعالج في “المبحث الرابع” نموذجاً حياً لإسقاط الجنسية وهو ما حدث في البحرين بتاريخ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012.
كما أن الخوف الذي انتاب أهالي المواطنين الذين تم إسقاط جنسيتهم من أنه قد يطول ذلك الإسقاط الأبناء القصّر وزوجات المسقطين جنسياتهم، كل ذلك جعل فكرة إعداد بحث قانوني حول ذلك القرار المعيب أمراً ضرورياً، إلا أنها وللأمانة لم تتبلور الفكرة واقعياً إلا بعد أن طلب مني أحد الأصدقاء ذلك، فكان كما أراد.
وكل ما أتمناه هنا بعد التوفيق من الله سبحانه وتعالى، أن يكون هذا البحث أداة يستعان بها لإظهار مظلومية هذا الشعب بشكل عام وهؤلاء المواطنين الذين أسقطت جنسياتهم بشكل خاص، متمنياً أن يتكون مجلس تشريعي حقيقي يسعى لسن قانون جنسية بحريني يحفظ حقوق الناس ويضع الضمانات التي ترعى تلك الحقوق وتصونها.
والله ولي التوفيق،،،
مبحث تمهيدي
مفهوم الجنسية
حتى نخوض في البحث في ما قد تتعرض له جنسية الفرد من تجرّد سواء بفقدها أو سحبها أو إسقاطها بموجب قرارات السلطة التنفيذية أو رأس الدولة أو القضاء بحسب النظم القانونية المنظمة لفكرة الجنسية، يلزم بداية أن نبيّن مفهوم الجنسية.
ويستقر الباحثين في مجال القانون الخاص وهو القسم من القانون المختص ببحث “الجنسية” ونظامها، على أن للجنسية معنيين الأول: اجتماعي أو واقعي، والثاني: المعنى الاصطلاحي/ القانوني إليها، ولبيان ذلك نورد الآتي:
– المعنى الاجتماعي أو الواقعي للجنسية:
المعنى الاجتماعي للجنسية هو المعنى الذي يظهر فيه الترابط بين كلمتي جنسية وأمة، ففي بعض الأحيان تؤلف الأمة دولة، مثل الأمة الفرنسية والدولة الفرنسية وفي أحيان أخرى لا يكون وجود للأمة مطابقاً لوجود الدولة، فقد توجد أمّة لا تؤلف دولة كما كان الأمر بالنسبة لبولونيا خلال القرن الثامن والتاسع عشر، وقد تكون الدولة مؤلفة من عدة أمم كما كان شأن الامبراطورية النمساوية قبل الحرب العاليمة الأولى بداية القرن الماضي. وقد تكون الأمة الواحدة مقسمة إلى عدة دول كما هو حال الأمة الإسلامية والأمة العربية.[1]
– المعنى الاصطلاحي/ القانوني للجنسية:
يعرف فقهاء القانون الدولي الخاص الجنسية بأنها علاقة قانونية ذات طابع سياسي تقوم بين الأفراد والدولة يصبح بمقتضاها الفرد أحد أعضاء هذه الدولة.
وينتقد الكثير من الفقهاء هذا التعريف لكونه لا يمت بالمعنى اللغوي للكلمة، فكلمة الجنسية تفيد الانتماء إلى أمة وهم أبناء الجنس الواحد وليس الانتساب إلى دولة. فالأصل الاشتقاقي لكلمة الجنسية هي كلمة الجنس[2]، والجنسُ يقصد به الأصل[3]، أي أصل الشخص منبته.
أما انتساب الفرد إلى الدولة فاقترح أستاذنا الدكتور عنايات عبدالحميد للدلالة عليه اصطلاح الرعوية أي الأشخاص الذي يكونون من رعايا الدولة، وهذا الاصطلاح يتفق وفكرة الخضوع،[4] ويمكن فقدها أو سحبها أو إسقاطها، أما الجنسية وانتماء الفرد للأمة ولاصله لا يمكن بأي حال أن تفقد أو تسقط أو تسحب.
ومع قناعتنا بعدم صحة استعمال مصطلح الجنسية ويلزم التعويض عنه بمصطلح الرعوية لبيان انتماء الفرد لرعايا دولة معينة، إلا أنه وبسبب ما جرى عليه العمل في مملكة البحرين وما استعمله القانون البحريني وباقي القوانين العربية المقارنة من لفظ “الجنسية” للتعبير عن هذه العلاقة، لذا وتسهيلاً للقارئ الكريم فإننا سوف نلتزم في بحثنا باستعمال مصطلح “الجنسية” للتعبير عن علاقة الفرد بالدولة.
وحيث أن بحثنا الماثل متركز على إسقاط الجنسية في القانون البحريني والضمانات التي تحفظ الإنسان البحريني من تجريده من جنسيته، مع مقارنة ببعض القوانين العربية، لذا فإن مجال بحثنا سوف يقتصر على أربعة مباحث، نتناول في المبحث الأول حالات تجرّد المواطن من الجنسية في القانون البحريني والقوانين المقارنة، ويتفرع هذا المبحث إلى مطلبين الأول عن حالات تجرّد البحريني من الجنسية وفقاً لقانون الجنسية البحرينية لعام 1963، والثاني عن حالات تجرّد الفرد من الجنسية في القوانين المقارنة. بينما نتناول في المبحث الثاني ضمانات وعيوب إسقاط الجنسية في القانون البحريني والقوانين المقارنة، وهو بدوره ينقسم لمطلبين الأول نناقش فيه ضمانات وعيوب قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 بشأن إسقاط الجنسية، والثاني ضمانات القوانين المقارنة بشأن إسقاط الجنسية. أما المبحث الثالث فنبيّن للقارئ الكريم آثار التجرّد من الجنسية في القانون البحريني والقوانين المقارنة، وأخيراً المحبث الرابع نراجع نموذج لتعسف الدولة في تجريد الجنسية – إسقاط جنسية 31 مواطن بحريني بناءً على المبادئ التي سوف تظهر من المباحث السابقة مع بيان ما شاب قرار إسقاط الجنسية من عيوب قانونية. وكل ذلك على النحو الآتي بيانه:
********
المبحث الأول
حالات تجرّد المواطن من الجنسية في القانون البحريني والقوانين المقارنة
تمهيد:
نظم قانون الجنسية البحرينية الصادر سنة 1963 أوضاع الجنسية البحرينية في 12 مادة، جرى عليهم بعض التعديلات البسيطة عامي 1981 و 1989[5] التي لم تغيير جوهر القانون وأحكامه، وقد حدد القانون المذكور ثلاث حالات تجرّد البحريني من جنسيته، وبيّن حالاتهم في طريقة اتسمت في بعض المواضع بالإبهام وعدم الوضوح، ومنح الملك أو كما عبر عنه القانون الحاكم سلطات واسعة لتجريد الأفراد من جنسيتهم البحرينية بإسقاطها، وسوف نقسم هذا المحبث لمطلبين لنتحدث في أوله عن حالات تجرّد الجنسية في القانون البحريني ثم في القانون المقارن.
ويلزم الإشارة هنا إلى أننا استعملنا لفظ “التجرّد من الجنسية” للتعبير عن تجرّد الفرد سواء باختياره وإرادته أو بناءً على تجريدها منه بواسطة الدولة، وتجنبنا استعمال لفظ “فقد الجنسية” وذلك لعدم الخلط بين فقد الجنسية بمعناه الواسع وبين فقد الجنسية الذي نصّ عليها القانون وحدد له حالات معينة، وفرق بينه وبين سحب الجنسية وإسقاطها.
ويتبين ذلك من نص قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 إذ حدد ثلاث حالات تجيز للملك تجريد المواطن من جنسيته، وقد فرق القانون بين مكتسب الجنسية منذ الولادة “البحريني الأصيل” وبين من اكتسب الجنسية بعد الولادة “المجنس”، وحدد حالات يتم فيها سحب جنسية المجنس وأخرى لجميع البحرينية قسمها لحالات فقد الجنسية وأخرى إسقاط الجنسية.
وقد استقر الرأي الدولي وكذلك القوانين المحلية لجميع الدول في حق الدولة في تنظيم مسألة الجنسية وحالات كسب الجنسية والتجرّد منها، فتوسعت بعض الدول العربية في منح الدولة السلطة في تجريد الفرد من جنسيته مثل القانون المغربي الذي أجاز للمشرع سحب جنسية كل من حكم عليه بعقوبة السجن لخمس سنوات أيًا كانت الجريمة، وكذلك القانون السوري، بينما وضعت بعض الدول ضمانات تحفظ ولو الشيء اليسير لمن يتجرّد من جنسيته كالقانون المصري، بينما حظرت بعض القوانين إسقاط جنسية الأصيل وأجازت سحبها من المجنس كالقانون اليمني، وترى المعاهدات الدولية ضرورة الحد من حق الدولة في تجريد الفرد من جنسيته حتى تصل بعضها لحرمان الدولة من هذا الحق، أو تعليق حقها على ضرورة حصول المراد تجريده من جنسيته على جنسية دولة أخرى، وضمانات أخرى افتقدها القانون البحريني – للأسف – كما سيرد أدناه.
وفقد الجنسية أو تجريدها الذي نقصده في هذا المجال، هو ” ذلك الذي تحقق أسبابه في تاريخ لاحق على ميلاد الشخص سواء تعلق الأمر بفقد الجنسية الأصلية أم المكتسبة، أما إذا ولد شخص مجرداً من أي جنسية، فلا نكون بصدد فقد للجنسية وإنما الأمر يتعلق بانعدامها وهما مسألتان مختلفتان.” [6]
وفقد الجنسية يفترض أن الشخص كان يتمتع بجنسية دولة معينة وفقاً لقانونها ثم طرأ ما أدى إلى زوال هذه الجنسية. ومن المسلم به في الفكر القانوني الحديث كما ذكرنا أن الجنسية لا تمثل رابطة أبدية بين الفرد والدولة، بل إنها من الممكن أن تخضع لتغير أو الفقد أثناء حياة الفرد، بحيث يكون من التصور أن يتجرد الوطني من جنسية الدولة التي كان يحمل جنسيتها فيصير بالنسبة إليها في عداد الأجانب. فمبدأ الولاء الدائم قد أفل نجمه حتى في البلاد التي نشأ فيها كسويسرا والدول الانجلو أمريكية. [7]
وكل ذلك سوف نتطرق إليه في مطلبين على النحو الآتي:
المطلب الأول: حالات تجرّد البحريني من الجنسية وفقاً لقانون الجنسية لعام 1963.
المطلب الثاني: حالات تجرّد الفرد من الجنسية في القوانين المقارنة.
وسوف نتناول هاذين المطلبين بشيء من التفصيل على النحو الآتي:
المطلب الأول
حالات تجرّد البحريني من الجنسية وفقاً لقانون الجنسية البحرينية لعام 1963
تلزم بداية الإشارة هنا إلى أنه بعد إسقاط جنسية 31 بحريني من قبل وزارة الداخلية البحرينية، انتشرت عدة مصطلحات لما تعرض له هؤلاء المواطنون الشرفاء، وقد تبيّن بجلاء وجود لبس لدى العامة بل حتى لدى بعض القانونيين والحقوقين في بيان المصطلح الصحيح لما تعرض له المواطنون المذكورين، فتبيّن عدم وجود تفريق بين مفهوم “سحب” الجنسية و “فقد” الجنسية وأخيراً وهو الصحيح “إسقاط” الجنسية، وعليه لزم بيان التفريق هذا وفقا لما جاء في قانون الجنسية البحرينية، وهذا مجال بحثنا في هذا المطلب نبينه في ثلاثة فروع على النحو الآتي:
الفرع الأول: سحب الجنسية البحرينية (المجنس) بأمر من الملك.
الفرع الثاني: فقد الجنسية البحرينية اختيارياً، وصدور أمر من الملك.
الفرع الثالث: إسقاط الجنسية البحرينية بأمر من الملك.
ونورد فيما يلي تفصيل لهذه الفروع، وذلك على النحو الآتي بيانه:
الفرع الأول
سحب جنسية البحريني (المجنس) بأمر من الملك
تنص المادة رقم 8 من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 على أنه: “يمكن بأمر عظمة الحاكم سحب الجنسية البحرينية من الشخص المتجنس في الحالتين الآتيتين:
1) إذا حصل عليها بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة أو إخفاء معلومات جوهرية. ويمكن في هذه الحالة سحب الجنسية البحرينية من كل شخص متجنس اكتسبها عن طريقة وفقاً لأحكام الفقرة (4) من المادة 6 من هذا القانون. [8]
2) إذا أدين في البحرين خلال عشر سنوات من تجنسه بجريمة تمس شرفه أو أمانته. وتسحب الجنسية البحرينية في هذه الحالة من الشخص المدان وحده.”[9]
ومفاد هذا النص أن المشرّع البحريني قد أفرد نصاً خاصاً للبحرينين المجنسين يجيز بموجبه للملك دون غيره أن يسحب جنسيتهم، ويتبيّن من خلال النص أن هناك حالتين يجوز للملك/ الحاكم معهما سحب الجنسية من كل من دخل فيها عن طريق التجنيس، وهي التاليتين:
الحالة الأولى: تسحب الجنسية بموجب الفقرة الأولى من النص السابق من كل من منحها إن كان قد كسبها بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة “كأن يقدم لإثبات إقامته المدة المطلوبة وثائق مزورة، أو يعتمد لاكتسابها بالتجنس الاستثنائي فى شهادات غير صادقة”.[10]
هذا وتشترط بعض التشريعات لسحب الجنسية في مثل هذه الحالات من المجنس خلال مدة معينة من تاريخ اكتسابها. فإن مرت هذه المدة أصبح اكتسابه للجنسية نهائياً ولو كان مبنياً على بيان كاذب أو تدليس. أما التشريع البحريني فلم يقيد سحب الجنسية في هذه الحالة بأي مدة مما لا يمكن معه لمن سحبت جنسيته أن يتمسك بالتقادم أو بالحق المكسب، إذا كان كسبه للجنسية بناءًعلى بيانات كاذبة أو تدليس.
الحالة الثانية: تسحب الجنسية البحرينية بأمر الملك ممن اكتسبها بالتجنيس وفقاً لنص المادة 8 الفقرة الثانية المذكورة أعلاه إذا حكم عليه خلال عشر سنوات من تاريخ تجنيسه في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة.
وتفترض هذه الحالة في كل الأحوال صدور حكم جنائي بات/ نهائي بحق المجنس في جريمة تمسّ الشرف أو الأمانة، ويكون ذلك خلال العشر سنوات التالية لمنحه الجنسية. فإن صدر حكم بعد انقضاء المدة لا يمكن أن تسحب الجنسية حتى ولو ارتكب الجريمة خلال مدة العشر سنوات، بمعنى أنه يجب أن يرتكب الجريمة ويصدر الحكم النهائي بحق الشخص خلال عشر سنوات حتى يمكن سحب جنسيته.
وكان الأولى بالمشرع أن ينص برأينا على احتساب المدة من تاريخ ارتكاب الجرم وليس من تاريخ صدور الحكم، إذ قد يرتكب الجريمة خلال العشر سنوات من منحه الجنسية ثم يحال للمحاكمة ويتأخر صدور الحكم لأسباب تتعلق بالتحقيق أو المحاكمة وتنقضي قبل صدور الحكم مدة العشر سنوات مما يفوت الغاية من النص وهو إمكانية سحب الجنسية خلال المدة المنصوص عليها.[11]
والسؤال الذي قد يثيره البعض هنا: هل يترتب على سحب جنسية البحريني بالتجنيس وفقاً لنص المادة 8 سحب جنسيات التابعين له من زوجته وأولاده القصر؟
البيّن من صريح نص المادة 8 أنه فرق بين الحالة الأولى والثانية، فنص على أنه يمكن أن تسحب جنسية التابعين للمتجنس الذي أسقطت جنسيته بسبب ما أدلى به من بيانات كاذبة أو غش في المعلومات، إما إذا كان سحب الجنسية بسبب الحكم على المجنس في جريمة تمسّ الشرف أو الأمانة ففي هذه الحالة لا يمكن أن تتعداه لكون سحب الجنسية في هذه الحالة الأخيرة يمثّل عقوبة والعقوبة يجب أن تكون شخصية.
الفرع الثاني
فقد الجنسية البحرينية
تنص المادة رقم 9 من قانون الجنسية البحرينية لسنة 1963 على أنه:
” 1) يفقد البحريني جنسيته البحرينية:
أ) إذا تجنّس مختاراً بجنسية أجنبية وصدر أمر من عظمة الحاكم بسحب جنسيته البحرينية ،
أو:
ب) إذا تنازل عن جنسيته البحرينية وصدر أمر من عظمة الحاكم بسحب جنسيته البحرينية.
2) إذا فقد شخص الجنسية البحرينية ، بموجب هذه المادة ، فقدها معه أولاده القاصرون.”
البيّن أنّ نصّ هذه المادة يخاطب جميع البحرينين سواء البحريني الأصيل أو من اكتسب الجنسية بأحد الأسباب المنصوص عليها في القانون “المجنس”، ومفاد نص المادة أن البحريني لا يفقد جنسيته بمجرد وقوع السبب الذي يجيز فقده للجنسية كما انتهج ذلك بعض القوانين العربية كالقانون الكويتي [12] ، بل اشترط القانون البحريني أن يصدر بذلك أمر ملكي من الحاكم/ الملك بسحب الجنسية، ولبيان حالتي فقد الجنسية وفقاً لهذا القانون نورد التفصيل الآتي:
الحالة الأولى: إذا تجنس المواطن البحريني مختاراً بجنسية أجنبية وصدر أمر من الملك بسحب الجنسية:
لقد ظلّ الفرد خلال فترة طويلة محروماً من الحق في الخروج من جنسية الدولة التي ينتمي إليها. فالرابطة التي تربط الفرد بدولته كانت تعد رابطة أبدية لا سبيل إلى التحرر منها.
إذ لم تكن الدولة تسمح للوطني بالخروج من سيادتها بمحض إرادته إذ لم يكن للفرد إرادة ما إزاء الدولة. وقد ساد هذا المبدأ حتى عهد قريب، ولم تعدل بعض الدول عنه حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. [13]
وقد استقرت كافة التشريعات الحديثة على إمكانية فقد الوطني جنسيته الأولى واكتسابه جنسية جديدة ولكنها اختلفت في الكيفية التي يتحقق بها هذا الفقد، كما سوف نورده في المطلب التالي.
أما المشرع البحريني فقد أجاز للفرد أن يتجنس بجنسية أجنبية ورتب عليها جواز إصدار أمر ملكي بسحب جنسية المتجنس بجنسية أجنبية، ويتبين أن هذه الحالة تفترض توافر شرطين:
الشرط الأول: تجنس البحريني مختاراً بجنسية أجنبية:
اشترط قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 حتى يفقد المواطن جنسيته – أولاً – أن يتجنس بجنسية دولة أجنبية أي أن يكتسب جنسية دولة أخرى دون أن يتخلى عن الجنسية البحرينية، ويفترض ذلك أن تكون الدولة الأجنبية لا تشترط على من يكتسب جنسيتها أن يتخلى عن جنسية موطنه الأصلي.
فإذا ما سعى البحريني لاكتساب جنسية أجنيبة وتمكن من اكتسابها، فإنه لا يفقد الجنسية البحرينية بقوة القانون وبشكل تلقائي، ولكنه يكون معرض لأن يفقد جنسيته البحرينية في أي وقت متى تحقق الشرط الثاني وهو صدور أمر من الملك بذلك.
وهنا يتبين أن القانون البحريني لم يرفض فكرة ازدواج الجنسية أي أن يكون الشخص متعدد الجنسيات كأصل، ولكنه يترك كاسب الجنسية الأجنبية معرض لفقد جنسيته البحرينية في أي وقت إذا ما أراد الملك ذلك دون أن يوجب توافر شرط آخر لذلك.
الشرط الثاني: صدور أمر ملكي بحسب جنسية المتجنس بجنسية دولة أجنبية:
البيّن أن المشرع البحريني دائما ما أراد أن يكون إجراء تجريد الشخص من جنسيته بيد الملك دون غيره من السلطات التنفيذية، كما هو الحال في بعض التشريعات كالقانون المصري الذي يمنح مجلس الوزراء الحق في إصدار قرار بسحب الجنسية، وإن كان القانون المصري يشترط شروطاً معينة لفقد الجنسية كما سنبينه في المطلب القادم.
ويتبيّن من صريح نص المادة محل البحث أن الملك أو كما عبر عنه القانون عظمة الحاكم له سلطة مطلقة ودون مراقبة في سحب جنسية البحريني المتجنس من جنسية دولة أجنبية، ولم يمنح الشخص فرصة لكي يختار بين التنازل عن الجنسية الأجنبية وإلا سحبت جنسيته، فالمشرع افترض أن الفرد الذي يتجنس بجنسية دولة أخرى أنه زاهد عن الجنسية البحرينية، وبالتالي هو طعن في وطنيته وانتمائه للدولة البحرينية فكان جدير بتجريده من جنسيتها، غير مستحقاً لها.
الحالة الثانية: إذا تنازل المواطن البحريني عن جنسيته البحرينية وصدر أمر من الملك بسحب جنسيته:
يظل البحريني الذي أعلن تنازله عن الجنسية البحرينية متمتعاً بجميع حقوقه كمواطن كامل يمارس كافة الحقوق المدنية والسياسية في البحرين ويحصل على حمياتها ويلتزم بالتزاماتها التي تفرضها على مواطنيها ما لم يصدر أمر ملكي بسحب جنسيته.
ولم يشترط القانون البحريني أي إجراء يتخذه من يرغب في التنازل أو التخلي عن جنسيته وذلك خلافاً لبعض القوانين المقارنة كالقانونيْن المصري والسوري، فقد اشترط القانون المصري أخذ الإذن من وزير الداخلية وكذلك القانون السوري استوجب السماح للموطن السوري من السلطات بالدولة السورية بالتخلي عن جنسيته.
أما القانون البحريني فلم يضع شروط لتنازل المواطن البحريني عن جنسيته، فأجاز لكل مواطن أن يتنازل عنها ولكن لا يترتب عليها آثارها بمجرد التنازل عنها بل يظل متمتعاً بكافة الحقوق وملتزماً بكافة الالتزامات إلى أن يصدر أمر ملكي بسحب جنسيته.
ما مصير الأولاد القاصرون لفاقد الجنسية؟
أفرد القانون البحريني للأولاد القاصرون لفاقد الجنسية البحرينية وفقاً لنص هذه المادة فقرة كاملة، نصّ فيها صراحة على فقدان الأولاد القصر لجنسيتهم إذا فقد والدهم الجنسية وفقاً لنص المادة التاسعة محل البحث.
والبيّن أن المُشرع البحريني افترض أن الأولاد القصر يتبعون في جنسيتهم والدهم بصفته الولي الطبيعي لهم، وأن تجنس الأب بجنسية أجنبية أو تنازله عن الجنسية البحرينية يترتب عليه تنازل الأولاد القصر عن الجنسية أو اكتسابهم لجنسية الأب الأجنبية، وذلك لأن الأولاد القصر وهم الأولاد الذين لم يبلغوا سنّ الواحد والعشرون يتبعون والدهم حتى ذلك السن، فقد نصّ على فقدانهم الجنسية.
ويعاب على هذا النص بأنه لم يشترط أن يكون قانون الجنسية الأجنبية التي اكتسبها الأب ينص على منح الأولاد القصر جنسية تلك الدولة، وكذلك لم يمنح الأولاد القصّر الخيار في استرداد الجنسية البحرينية بعد بلوغهم سن الرشد، مما قد يترتب عليه أن يصبح الأولاد القصر عديمي الجنسية، وقد عالج القانون المصري هذه الحالة وأوجب حتى يفقد الأولاد القصر جنسيتهم أن تكون الدولة الأجنبية التي تجنس بجنسيتها والدهم تمنح أولاده جنسيتها، كما منحهم خيار استرداد الجنسية المصرية بعد عام من بلوغهم سن الرشد.
الفرع الثالث
إسقاط الجنسية البحرينية وفقاً لقانون الجنسية البحرينية
نظم قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 في مادته رقم 10 حالات إسقاط الجنسية البحرينية للمواطن البحريني، فنصت على أنه: “يجوز بأمر عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية:
أ) إذا دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقى فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها ، أو:
ب) إذا ساعد أو انخرط في خدمة دولة معادية ، أو:
ج) إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة “.
المتفق عليه بين كل التشريعات ومنها التشريع البحرينية أن إسقاط الجنسية هو عبارة عن عقوبة توقع على من جاء بأفعال تعتبر – في نظر الدولة أو القانون الذي وضعته – بأن فاعلها لم يعد ولاءه لوطنه، وبالتالي لا يستحق أن يكون أحد رعاياها التي تحميهم وتوجب عليهم التزامات يفترض أن يقوم بها شخص يحمل الولاء للوطن ويحرص على مصالحها الدنيا قبل العليا.
ومن هذا المنطلق جاء المشرع البحريني كغيره من التشريعات العربية – على وجه التحديد – متضمناً حالات إذا توافرت أي منها في مواطن بحريني سواء كان مواطناً أصيلاً أو مُجنساً، جاز معاقبته بإسقاط جنسيته، ولكن هذه العقوبة ليست كغيرها من العقوبات الجنائية التي توقع بحكم يصدر من المحاكم ويجوز استئنافه ثم نقضه، وإنما يصدر بأمر من عظمة الحاكم أي بمرسوم من الملك بإسقاط تلك الجنسيات.
وكغيرها من العقوبات فإن الأمر بإسقاط الجنسية يكون شخصياً بالنسبة لمن توافرت لديه حالة من حالات الإسقاط ولا تتعداه لتمس جنسية أولاده القصر، وذلك انطلاقا من مبدأ شخصية العقوبة.
وقد حدد القانون البحريني ثلاث حالات أجاز بمقتضاها للملك أن يصدر أمراً بإسقاط جنسية المواطن البحريني، وهذه الحالات هي:
الحالة الأولى: إذا دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقى فيها بالرغم من الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها:
إن الدخول في الخدمة العسكرية لدولة أجنبية يعد من الأسباب الهامة التي جرت غالبية الدول على الاعتداد بها في إسقاط الجنسية عن رعاياها. ذلك أن قبول الفرد أداء الخدمة العسكرية في دولة أجنبية واستعداده لبذل دمائه في سبيلها من أهم المظاهر التي تدل على شدة ولائه للدولة الأجنبية، وهو ما يتنافى مع ولائه للبحرين. [14]
ويتعين لإمكان إسقاط الجنسية في هذه الحالة توافر شرطين:
الأول: أن يكون الوطني قد قبل مختاراً دخول الخدمة العسكرية في الدولة الأجنبية. ومن ثم فلا يجوز إسقاط الجنسية عنه إذا اضطر إلى أداء الخدمة العسكرية جبراً عنه، ومثال على ذلك أن يولد البحريني في دولة توجب على كل من يولد على أقليمها الدخول في الخدمة العسكرية.
والثاني: أن يصدر أمر من حكومة البحرين للوطني الذي دخل في الخدمة العسكرية للدولة الأجنبية بضرورة ترك الخدمة فيها، ومع ذلك يصر على الاستمرار ويرفض تركها. ولم يحدد القانون البحريني مهلة معينة بين إخطار الحكومة للبحريني الذي التحق بالخدمة العسكرية للدولة الأجنبية وبين حق الملك في إسقاط جنسيته.
فإذا توافر الشرطين المذكورين جاز للملك أن يصدر أمراً بإسقاط جنسية المواطن الذي التحق بالخدمة العسكرية لدولة أجنبية ونُبه عليه بضرورة تركها من الحكومة البحرينية.
الحالة الثانية: إذا ساعد البحريني أو انخرط في خدمة دولة معادية:
وتفترض هذه الحالة وجود مملكة البحرين في حالة حرب مع دولة أخرى أو قطع للعلاقات بينهما وهاتين الحالتيْن وأن لم ينص عليهما صراحة إلا أنها الحالات التي يمكن اعتبار الدولة الأجنبية دولة معادية للبحرين؛ وأن يقوم الوطني بمساعدتها أو الانخراط في خدمتها، ويشترط لإسقاط الجنسية عن الوطني في هذه الحالة توافر شرطين:
الأول: أن يقوم الوطني بعمل لصالح دولة أو حكومة أجنبية. فلا ينطبق النص إذا قام الوطني بعمل لصالح شخص أجنبي بل حتى ولو قام الوطني بعمل لصالح هيئة أجنبية طالما أن هذه الهيئة ليست دولة أو حكومة أجنبية. [15]
والثاني: أن تكون تلك الدولة أو الحكومة الأجنبية في حالة عداء مع مملكة البحرين كأن تكون في حالة حرب أو قطع علاقات سياسية، ولا يكفي بنظرنا أن تكون العلاقات السياسية متوترة بل يجب أن تكون قد قطعت فعلاً حتى تعتبر الدولة الأجنبية في حالة عداء مع البحرين.
ويعاب على هذا النص أنه لم يشترط أن يكون العمل الذي جاء به الوطني ضاراً بمصالح المملكة كما هو الحال في المشرع المصري مثلاً، بل أنه تركها مطلقة بأن أي مساعدة أو انخراط يجيز الإسقاط لجنسيته، ولكن عملياً ومنطقياً لا يمكن تصور أن يقوم الوطني بمساعدة دولة معادية في عمل ينفع المملكة ويتم إسقاط جنسيته، وعليه نرى ضرورة أن يتوافر في العمل الذي جاء به الوطني صفة العمل الضار بمصالح البحرين لكي يجوز إسقاط جنسيته، كما هو الحال في القانون المصري والكويتي الذين نصا صراحة على ضرورة أن يكون عمل أو مساعدة الوطني للدولة المعادية ضاراً بدولته.
الحالة الثالثة: إذا تسبب البحريني في الإضرار بأمن الدولة:
وهي أخطر حالة من حالات إسقاط الجنسية في القانون البحريني، وهي المادة التي استندت عليها حكومة البحرين في إسقاط جنسية 31 مواطن بحريني بتاريخ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وتمثل هذه الحالة خطراً كبيراً على جميع المواطنين البحرينية إذ جاءت صياغتها مطاطة وواسعة، وتجيز للسلطة أن تفسرها كما يحلو لها دون رقابة أو اشتراط صدور حكم من المحاكم بإدانة الوطني بجريمة تمس بأمن الدولة.
ورغم عدم النص على ذلك – وجوب صدور حكم جنائي على المواطن بجريمة تضر بأمن الدولة – إلا أننا نرى بأن الإضرار بأمن الدولة يعتبر جريمة وفقاً قانون العقوبات البحريني [16]، ويلزم قبل توقيع عقوبة الإسقاط في هذه الحالة – رغم عدم النص – أن يكون الوطني قد ارتكب إحدى الجرائم التي تمس بأمن الدولة سواء من جهة الداخل أو من جهة الخارج وصدر حكم نهائي بات بإدانته. [17]
إن القول بغير ذلك يترك الأمر بيد الملك دون رقابة من السلطة القضائي التي هي الحصن الحصين لحريات الأفراد، وقد يتعسف في استعمال هذه المادة التي تترتب عليها مشاكل كثيرة للمُسقط جنسيته، وسوف تكون لنا وقفة مفصلة في هذه الحالة في المبحث الأخير من هذا البحث. ويتم إسقاط لجنسية البحرينية بأمر من الملك دون غيره يبيّن في أمره المادة التي استند عليها رغم عدم النص على وجوب بيان المادة صراحة.
المطلب الثاني
حالات تجرّد الفرد من الجنسية في القوانين المقارنة
تمهيد:
عرفت القوانين المقارنة تجريد الجنسية بواسطة الدولة عدة تعريفات وقد استقر الفقه على أن التجريد هو ” تصرف وحيد الطرف من جانب الدولة شأنه حرمان الفرد من جنسيته مع ما يستتبع ذلك من حرمانه من الحقوق التي تخوله إياها وتحريره من الالتزامات التي تفرضها عليه وذلك عندما يبدو من هذا الفرد ما ترى فيه الدولة إخلالا خطيراً بولائه لها”. [18]
وقد تفاوتت التشريعات المقارنة في تحديد حالات تجرّد الوطني من الجنسية بين مُسهبٍ في هذه الحالات ومضيق لها، وسوف نورد الحالات في بعض القوانين مع شرح مبسط لها ونستفيض في شرح الضمانات التي وضعتها بعض القوانين المقارنة للحد من حالة تجريد الوطني من جنسيته بالإسقاط، وكل ذلك في فرعين على النحو الآتي بيانه:
الفرع الأول: تجرّد المواطن المصري من الجنسية.
الفرع الثاني: تجرّد المواطن الكويتي من الجنسية.
ونورد فيما يلي تفصيل كل من القانونين المذكوريْن على النحو الآتي:
الفرع الأول
تجرّد المواطن المصري من الجنسية [19]
يفرق القانون المصري بين نوعين من تجرّد المصري من جنسيته فيتناول في الأول فقد الجنسية المصرية الاختياري أو التخلي، بينما يعالج الثاني فقد الجنسية المصرية اللاإرادي أو السحب أو الإسقاط، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
أولاً: فقد الجنسية المصرية الاختياري أو التخلي:
نص المشرع المصري على ثلاث حالات لفقد المصري لجنسيته اختيارياً وهي كالآتي:
الحالة الأولى: فقد الجنسية المصرية نتيجة اكتساب المصري لجنسية أجنبية بعد حصوله على إذن بذلك:
وقد عالج القانون المصري للجنسية هذه الحالة في المادة رقم 10 حيث نص على أنه: ” لا يجوز للمصري أن يتجنس بجنسية أجنبية إلا بعد الحصول على إذن بذلك يصدر بقرار من وزير الداخلية وإلا ظل مُعتبراً مصرياً من جميع الوجوه وفي جميع الأحوال، ما لم يقرر مجلس الوزراء إسقاط الجنسية عنه طبقا لحكم المادة 17 من هذا القانون”.
ويبدو أن المشرع المصري قد خالف المشرع البحريني في هذه الحالة، فالمشرع البحريني كما سبق بيانه أعلاه لم يتطلب الحصول على إذن مسبق من أي جهة لكي يتجنس البحريني بجنسية دولة أجنبية، بينما أوجب المشرع المصري ذلك، وهو ما يعتبر عملياً أن التجنس بجنسية دولة أجنبية بالنسبة للمصري ليس اختياراً مطلقاً له بل هو متوقف على شرط وهو الإذن له بذلك من وزير الداخلية، وإلا لما اعتُبر بتجنسه الأجنبي وبقيت جنسيته المصرية قائمة وصحيحة، ما لم يصدر قرار من مجلس الوزراء بإسقاطها.
ويلاحظ أن المشرع المصري قد أجاز للمصري أن يحتفظ بالجنسية المصرية على الرغم من تجنسه بجنسية أجنبية، إذ تنص الفقرة الأخيرة من المادة رقم 10 من قانون الجنسية المصرية على أنه: ” ومع ذلك يجوز أن يتضمن الإذن بالتجنس إجازة احتفاظ المأذون له وزوجته وأولاده القصر بالجنسية المصرية، فإذا أعلن رغبته في الإفادة عن ذلك خلال مدة لا تزيد على سنة من تاريخ اكتسابه الجنسية الأجنبية ظلوا محتفظين بجنستهم المصرية رغم اكتسابهم الجنسية الأجنبية”.
ومفاد ذلك أن المشرع المصري وخلافًا للمشرع البحريني قد عرف ازدواج الجنسية مطلقاً وأوقفه على شرط إبداء الرغبة في الاحتفاظ بالجنسية المصرية، بينما المشرع البحريني بمجرد التجنس من جنسية أجنبية يفتح المجال للملك أن يصدر أمراً بإسقاط جنسيته.
الحالة الثانية: فقد الجنسية نتيجة اكتساب المرأة لجنسية أجنبية في إطار رابطة الزوجية:
ولن نسهب في هذه الحالة، وهي حالة نص عليها القانون المصري، إذ نصّ على أن الزوجة التي يفقد زوجها الجنسية المصرية لتجنسه بجنسية أجنبية وتتبعه الزوجة بتجنسها بالجنسية الأجنبية فإنها تفقد جنسيتها المصرية، ما لم يؤذن لها بالاحتفاظ بالجنسية المصرية كما هو حال زوجها وفقًا للتفصيل المذكورة اعلاه في الحالة الأولى.
وكذلك قد تفقد المصرية التي تتزوج من أجنبي جنسيتها المصرية إذا رغبت في اكتساب جنسية زوجها الأجنبي، وكان قانون زوجها يمنحها الجنسية الأجنبية بالفعل، ومع ذلك تظل محتفظة بجنسيتها المصرية إذا أعلنت رغبتها في ذلك خلال سنة من تاريخ دخلوها في جنسية زوجها الأجنبي. [20]
والحالة الأخيرة التي تفقد المصرية جنسيتها هو اكتساب المصرية للجنسية المصرية بمقضتى رابطة زوجية، أي أنها اكتسبتها لتزوجها من مصري، ثم انتهت العلاقة الزوجية ورغبت في العودة لجنسيتها الأجنبية أو تزوجت من أجنبي بعد انتهاء رابطتها الزوجية مع المصري واكتسبت جنسية زوجها الأجنبي الجديد. [21]
الحالة الثالثة: فقد الأولاد القُصّر للجنسية المصرية:
ولن نسهب في هذه الحالة أيضاً فهي غير معروفة بالنسبة للقانون البحريني إلى في حالات ضيقة سبق بيانها، وهي حالة نص عليها القانون المصري، إذ نص على أن الأولاد القصر الذين يكتسبون الجنسية تبعاً لأبيهم الذي اكتسب الجنسية المصرية، فإذا بلغوا سن الرشد كان لهم خلال سنة أن يستردوا جنسية أبيهم الأصلية، فإذا استردوها فقدوا الجنسية المصرية. [22]
كما يفقد الأولاد القصر الجنسية المصرية إذا زالت عن أبيهم الجنسية المصرية لتجنسه بجنسية أجنبية وكان قانون الدولة الأجنبية يمنح الأولاد القصر تلك الجنسية. [23] ويبدو هنا أن المشرع المصري خلافاً للبحريني قد منح ضمانة للأولاد القصر الذين يفقد والدهم جنسيته بالتجنس ببجنسية أجنبية، لذا أوجب حتى يفقدونه تبعاً أن يكون قانون الدولة الأجنبية التي تنجنس بها والدهم منحهم فعلاً الجنسية تبعاً لأبيهم.
ثانياً: فقد الجنسية المصرية اللاإرادي أو السحب أو الإسقاط:
يعرف القانون المصري حالتين من حالات تجريد الفرد بإرادة الدولة وهي حالة السحب وحالة الإسقاط، وسوف نتناول الإسقاط بشيء من التفصيل لما له علاقة بالقانون البحرينية، وذلك كالاتي:
الحالة الأولى: سحب الجنسية المصرية (المجنس):
تنص المادة 15 من قانون الجنسية المصري على أنه: ” يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء سحب الجنسية المصرية من كل من اكتسبها بطريقة الغش أو بناء على أقوال كاذبة خلال السنوات العشر التالية لاكتسابه إياها.
كما يجوز سحبها من كل من اكتسبها بالتجنس أو الزواج وذلك خلال السنوات الخمس التالية لاكتسابه إياها. وذلك في أيّ حالة من الحالات الآتية:
1- إذا حكم عليه في مصر بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف.
2- إذا حكم عليه قضائياً في جريمة من الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج أو من جهة الداخل.
3- إذا كان قد انقطع عن الإقامة في مصر لمدة سنتين متتاليتين وكان ذلك الانقطاع بلا عذر يقبله وزير الداخلية.”
ويتبين من هذا النص عدة نقاط نوردها بشكل مختصر في الآتي:
النقطة الأولى: إن سحب الجنسية لا يكون إلا للمجنس وليس للمصري الأصلي، وهذا منطقي لما يفترض السحب سبق الكسب، ويكون ذلك خلال 10 سنوات في بعض الحالات و5 سنوات في حالات أخرى.
النقطة الثانية: إن سحب الجنسية يكون بقرار مسبب من مجلس الوزراء وليس من رئيس الجمهورية كما هو الحال في القانون البحريني الذي يمنح الملك دون غيره في إصدار أمر بسحب الجنسية ودون ذكر أسباب لذلك.
النقطة الثالثة: إن المشرع المصري وضع حصانة للمجنسين أكثر مما وضعه القانون البحريني للمواطنين الأصليين في حالة ثبوت إضرار المواطن بأمن الدولة، فقد اشترط المشرع المصري ضرورة صدور حكم من القضاء يُدين المصري المجنس بجريمة مضرة بأمن الدولة من جهة الخارج أو الداخل حتى تسحب جنسيته، بينما افتقد المشرع البحريني لهذه الضمانة وترك تحديد ما إذا كان الشخص قد أضر بأمن الدولة من عدمه للسلطة التنفيذية فقط متمثلة في شخص الملك دون وجوب صدور حكم قضائي بتلك الجريمة المضرة بأمن الدولة.
الحالة الثانية: إسقاط الجنسية المصرية:
تنص المادة 16 من قانون الجنسية المصري على أنه: ” يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء إسقاط الجنسية عن كل من يتمتع بها في أية حالة من الأحوال الآتية:
1- إذا دخل في جنسية أجنبية على خلاف حكم المادة 10.
2- إذا قبل دخول الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون ترخيص سابق من وزير الدفاع.
3- إذا كانت إقامته العادية في الخارج وصدر حكم بإدانته في جناية من الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج.
4- إذا قبل في الخارج وظيفة لدى الحكومة أو إحدى الهيئات الأجنبية أو الدولية وبقي فيها بالرغم من صدور أمر مسبب إليه من مجلس الوزراء بتركها، إذا كان بقاؤه في هذه الوظيفة من شأنه أن يهدد المصالح العليا للبلاد. وذلك بعد مضي ستة أشهر من تاريخ إخطاره بالأمر المشار إليه في محل وظيفته في الخارج.
5- إذا كانت إقامته العادية في الخارج وانضم إلى هيئة أجنبية من أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي للدولة بالقوة أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة.
6- إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية وهي في حالة حرب مع مصر أو كانت العلاقات الدبلوماسية قد انقطعت معها، وكان من شأن ذلك الإضرار بمركز مصر الحربي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو المساس بأية مصلحة قومية أخرى.
7- إذا اتصف في أي وقت من الأوقات بالصهيونية.”
وسوف نتعرض لأهم ما جاء في هذه المادة ونقف بشرح مفصل للحالة الثالثة وهي الحالة المشابهة أو المقابلة للمادة 10 الفقرة ج من قانون الجنسية البحرينية الذي استند عليها في إسقاط عدد 31 جنسية مواطن بحريني، وبيان ذلك على النحو الآتي:
النقطة الأولى: جاء المشرع المصري بحالتين مشابهتين للقانون البحريني فيما يتعلق بإسقاط الجنسية عن المصري الذي يدخل في جنسية أجنبية وكذلك حالة دخول المصري في الخدمة العسكرية لدولة أجنبية دون ترخيص من وزير الدفاع، أما باقي الحالات عدا الثالثة فهي حالات لم ينص عليها القانون البحريني فنتجنب الخوض فيها وهي بيّنه من نص المادة المذكورة، ونقصر بحثنا هنا على الحالة الثالثة وذلك من خلال النقطة الثانية:
النقطة الثانية: حددت المادة المذكورة أعلاه في الفقرة الثالثة حالة إسقاط الجنسية المصرية عن المصري الذي يضر بأمن الدولة المصرية من جهة الخارج وضمنت ذلك ضمانات عدة بخلاف القانون البحريني الذي تركها عائمة مطاطية كما ذكرنا.
ويشترط المشرع المصري لتوافر هذه الحالة شرطين:
الأول: أن يحكم بإدانة الشخص في إحدى الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج. وهذا الشرط يقتضي أن يصدر بالفعل ضد الشخص حكم قضائي نهائي ولا يكفي مجرد الاتهام من إحدى سلطات التحقيق أو من جهة الإدارة.
كما يقتضي هذا الشرط أن تكون الجريمة من نوع معين وهي الجنايات التي تضر بأمن الدولة من جهة الخارج فقط، وهي جرائم تثبت أنه من الخطر الإبقاء على شخص ثبت انعدام ولائه تجاه الدولة. [24]
الثاني: أن تكون الإقامة العادية له في الخارج. ولعل اشتراط المشرع المصري لهذا الشرط حكيم كون الإقامة العادية أي التوطن في الخارج مرجعه الحرص على حماية الجماعة الوطنية من الأشخاص الخارجين عن نطاق سيادة الدولة الإقليمية بحيث لا تستطيع أن تحد من أعمالهم الضارة بكيان الدولة وأمنها ومن ثم فالسبيل الوحيد للتخلص من هذه العناصر الضارة هو طردهم من الجماعة الوطنية.
الفرع الثاني
تجرد المواطن الكويتي من الجنسية [25]
وكما هو الحال في القانون المصري فقد نظم المشرع الكويتي حالتين لتجرد الوطني من جنسيته فنظم في الأولى حالات فقد الكويتي للجنسية بإرادته وفي الثانية حالات تجريد الدولة الجنسية الكويتية من الكويتي، وبيان ذلك على النحو الآتي:
أولاً: فقد الكويتي جنسيته بإرادته:
ويعرف المشرع الكويتي ثلاث حالات لفقد الكويتي جنسيته بإرادته، فالحالة الأولى: هي التجنس بجنسية أجنبية، ويتبع ذلك فقد زوجته للجنسية الكويتية إلا إذا أعلنت رئيس دوائر الشرطة والأمن العام في خلال سنة من تاريخ علمها بتجنس زوجها أنها ترغب في الاحتفاظ بجنسيتها الكويتية، وكذلك يفقد الأولاد القصر جنسيتهم الكويتية إذا كانوا يدخلون في جنسية أبيهم الجديدة بموجب القانون الخاص بهذه الجنسية.[26]
والحالة الثانية: هي فقد المرأة الكويتية جنسيتها بالزواج من أجنبي، ويشترط في ذلك أن يكون قانون زوجها الأجنبي يقضي باكتسابها جنسية زوجها، وإلا جاز لها أن تحتفظ بجنسيتها الكويتية خلال سنة من تاريخ زواجها. [27]
والحالة الثالثة: هي حالة فقد الجنسية الكويتية بالرجوع عنها، والمقصود بذلك رجوع الزوجات أو الأولاد القصر الذين يكتسبون الجنسية الكويتية بالتبعية لاكتساب الزوج أو الأب هذه الجنسية، وكذلك رجوع الزوجات الأجنبيات اللاتي اكتسبن الجنسية الكويتية بزواجهن من كويتيين عن هذه الجنسية. [28]
ثانياً: فقد الكويتي لجنسيته بتجريده منها:
وقد فرق القانون الكويتي كالقانون المصري بين الكويتي المجنس والكويتي الأصيل أو الذي مضى على تجنيسة سنوات معينة، فنص في قانونه على حالتين لتجريد الفرد من جنسيته الكويتية، تحدث في الأولى عن حالات سحب جنسية المجنس، وفي الثانية عن حالات إسقاط جنسية الكويتي الأصيل والمجنس، وبيان ذلك في حالتين:
الحالة الأولى: حالات سحب الجنسية الكويتية:
تنص المادة رقم 13 من المرسوم الأميري رقم 15 بشأن الجنسية الكويتية على أنه: ” يجوز بمرسوم، بناء على عرض وزير الداخلية، سحب الجنسية الكويتية من الكويتي الذي كسب الجنسية تطبيقاً لأحكام المواد 4 و5 و7 و8 من هذا القانون في الحالات الآتية:
1- إذا كان قد منح الجنسية الكويتية بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة. ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية الكويتية ممن يكون قد كسبها معه بطريقة التبعية.
2- إذا حكم عليه خلال خمسة سنوات من منحه الجنسية الكويتية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة.
3- إذا عزل من وظيفته الحكومية تأديبياً لأسباب تتصل بالشرف أو الأمانة في خلال خمس سنوات من منحه الجنسية الكويتية.
4- إذا استدعت مصلحة الدولة أو أمنها الخارجي ذلك. ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية الكويتية ممن يكون قد اكتسبها معه بطريق التبعية.
5- إذا توافرت الدلائل لدى الجهات المختصة على قيامه بالترويج لمبادئ من شأنها تقويض النظام الاقتصادي أو الاجتماعي في البلاد أو على انتمائه إلى هيئة سياسية أجنبية. ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية الكويتية ممن يكون قد كسبها معه بطريق التبعية.”
ويتبين من هذا النص عدة نقاط نوردها بشكل مختصر في الآتي:
النقطة الأولى: إن سحب الجنسية يكون للمجنس وليس للكويتي الأصيل، وهذا أمر منطقي إذ مفهوم كلمة السحب تتطلب أن تكون الجنسية مكتسبة في تاريخ لاحق على الولادة.
النقطة الثانية: توسع المشرع الكويتي في حالات جواز سحب الجنسية من المجنس الكويتي، فترك الأمر لتقدير السلطة التنفيذية متمثلة في وزير الداخلية الذي يعرض الأمر على سمو الأمير، فأجاز له لمجرد وجود دلالات كافية على أنه قام بعمل يضر بمصلحة الدولة الخارجي أن يتم سحب جنسيته دون أن يتطلب صدور حكم بذلك كما فعل المشرع المصري.
النقطة الثالثة: يعاب على المشرع الكويتي كما هو حال المشرع البحريني أنه لم يستوجب تسبيب قرار سحب الجنسية من قبل الأمير بخلاف المشرع المصري الذي وضع هذه الضمانة وأوجب على مجلس الوزارء المصري تسبيب قرار سحبه لجنسية المصري المتجنس.
الحالة الثانية: حالات إسقاط الجنسية الكويتية:
نص المشرع الكويتي في المادة رقم 14 من المرسوم الأميري رقم 15 على حالات إسقاط الجنسية الكويتية عن المواطنيين. ويقوم الإسقاط في الكويت على فكرة إخلال الكويتي بواجباته نحو الكويت، وبالرجوع إلى نص المادة 14 يتبين لنا أن الحالات التي يجوز فيها إسقاط الجنسية الكويتية هي التالية:
1- إذا خدم الكويتي في جيش إحدى الدول الأجنبية وبقي في الخدمة العسكرية بالرغم من الأمر الصادر إليه من حكومة الكويت بتركها. ومن الضروري هنا كما هو الحال بالنسبة للقانون المصري أن يكون دخول الكويتي للخدمة العسكرية للدولة الأجنبية بإرادته الحرة وليس مجبراً.
2- إذا عمل لمصلحة دولة أجنبية وهي في حالة حرب مع الكويت أو كانت العلاقات السياسية قد قطعت، ولا يكفي فقط التوتر في العلاقات.
3- وكذلك يجوز إسقاط الجنسية عن الكويتي إذا كانت اقامته العادية في الخارج وانضم إلى هيئة من أغراضها العمل على تقويض النظام الاجتماعي والاقتصادي لدولة الكويت، أو فيما لو صدر حكم بإدانته في جرائم ينص الحكم على أنها تمس ولاءه لبلاده.
ويترتب على إسقاط الجنسية في القانون الكويتي زوالها عن صاحبها دون أن تمتد إلى سواه من زوجة وأولاد قُصّر وذلك لكون الإسقاط عقوبة والعقوبة شخصية.
المبحث الثاني
ضمانات وعيوب إسقاط الجنسية في القانون البحريني والقوانين المقارنة
تمهيد:
بعد أن أوضحنا بشيء من التفصيل في المبحث الأول الحالات التي بموجبها يتجرد المواطن من جنسيته حيث بيّنا الحالات المنصوص عليها في القانون البحريني والقوانين المقارنة وأخذنا من القانونين المصري والكويتي نماذج للقوانين المقارنة، إذ تبين وجود بعض الفروق بين القوانين، وتضمن بعضها ضمانات لم ينص عليها المشرع البحريني، ونورد الآن الضمانات التي أوردها المشرع البحريني مع بيان النقص فيها، ثم نورد الضمانات التي نصت عليها بعض التشريعات في القوانين المقارنة والمعاهادت الدولية لمنع تجريد المواطن من جنسيته لما لهذا التجريد من خطورة ومشاكل عديدة يتعرض إليها المتجرد من جنسيته، ولكون التجرد من الجنسية كما أوضحنا أعلاه ينقسم لفرعين وهما : الأول هو فقد الجنسية بإرادة الفرد .والثاني: هو تجريد الدولة للفرد من جنسيته، فإنه تجدر الإشارة إلى أن الضمانات يجب أن تتوافر في حال قيام الدولة بتجريد الفرد من جنسيته أكثر منها في حال رغبة الفرد نفسه في التجرد من الجنسية الوطنية، ونختم بحثنا هذا بحالة تجريد المسلم من جنسيته الإسلامية وفقاً للشريعة.
وعليه فسوف نقسم هذا المبحث لمطلبين هما:
المطلب الأول: ضمانات وعيوب قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 بشأن إسقاط الجنسية.
المطلب الثاني: ضمانات القوانين المقارنة والمعاهدات الدولية والشريعية الإسلامية بشأن إسقاط الجنسية.
وسوف نبين بالتفصيل كل مطلب على النحو الآتي:
المطلب الأول
ضمانات وعيوب قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 بشأن إسقاط الجنسية
لم ينص قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 ولا تعديلاته على أي ضمانة ضد أمر الملك بإسقاط جنسية البحريني، ولم يجيز القانون استرداد الجنسية أو اللجوء إلى القضاء لإلغاء الأمر الصادر من الملك بإسقاط الجنسية، وأجاز فقط بموجب المادة رقم 11 من القانون أن ترد الجنسية لمن أسقطت منه بأمر من الملك في أي وقت، إلا اللهم إذا اعتبرنا كون الأمر بيد الملك يمثل ضمانة!
ومفاد ذلك أن جنسية البحريني هي في يد الملك وحده يسقطها وقت ما يشاء وكيف ما يشاء متى توافرت أي حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة رقم 10 سابقة الذكر والشرح أعلاه دون مراقب عليه فيما اذا كانت توافرة حالة من عدمه، وبسبب الفقرة الثالثة من المادة المذكورة التي تنص على أنه يجوز للملك أن يأمر بإسقاط جنسية كل من أضر بأمن الدولة فإن مجال التعسف في إسقاط الجنسية مفتوح على مصراعيه، إذ لم يوجب القانون البحريني كغيره من التشريعات كما سبق وأوضحنا أن يصدر حكم من المحكمة بإدانة المواطن بجريمة مضرة بالأمن العام.
ولبيان ما يعيب القانون البحريني في صياغة ومضمون هذه المادة نورد المقارنة التالية مع قانون الجنسية المصري في النقاط التالية:
وضع المشرع المصري عدة ضمانات للمواطن المصري لإسقاط جنسيته وفق هذه الحالات بعكس القانون البحريني الذي افتقر لأبسط الضمانات، حيث نص على جواز إسقاط الجنسية لمن أضر بالأمن العام، وأطلقها دون تخصيص أو تحديد، بينما وضع المشرع المصري – صائباً – ضمانات عدة تتمثل في الآتي:
- أن يصدر حكم جنائي من المحكمة في إحدى الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج. وبالتالي لا يكفي أن يرتكب الشخص جنحة مضرة بأمن الدولة بل يلزم أن تكون جناية، ويلزم أن تكون تلك الجنائية مضرة بمصلحة مصر من جهة الخارج، أي تمس كيان مصر الخارجي وليس الداخلي. أما القانون البحريني فلم يوجب صدور حكم ولم يوجب أن تكون الجريمة جناية ولم يوجب أن تكون الجريمة تضر بالأمن الخارجي للبحرين. [29]
- أن يكون الشخص مقيم خارج الإقليم المصري، ولا شك في سلامة هذا الشرط الذي يحد من حالات إسقاط الجنسية ويتماشى على هذا النحو مع الأصول المثالية في مادة الجنسية. إذا لو كان الشخص المحكوم عليه مقيماً في مصر فإنه يكفي ما سيلاقيه من عقوبة جنائية نظير ارتكابه لإحدى الجرائم السابقة. فليس هناك ما يدعو إلى إسقاط الجنسية عنه في هذه الحالة وتعريضه لخطر انعدام الجنسية.
أما المشرع البحريني فأجاز إسقاط الجنسية حتى للبحريني المقيم على إقليم الدولة، وفي هذا تعسف بيّن يتسبب بمشاكل كبيرة للمواطن إذ بين ليلة وضحاها يتفاجأ الشخص بأنه عديم الجنسية، مسلوب الحقوق، لا يتستطيع التحرك أو التنقل أو العمل وخلافه. مما يلزم معه تعديل جوهري لقانون الجنسية يتضمن ضمانات حازمة تحفظ للمواطن كرامته وتصون جنسيته وبالتالي يكانه، بل نرى أنه يجب إلغاء القانون الحالي وصياغة قانون جديد ينظم الجنسية البحرينية.
ويثار تساؤل عن الأسباب التي جعلت قانون الجنسية البحرينية خالياً من الضمانات؟
هناك عدة أسباب بنظرنا جعلت قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 معدوم الضمانات بانسبة لإسقاط الجنسية كعقوبة، بعضها يرجع للتاريخ وظروف إصدار القانون، وأخرى تعود للوضع السياسي في الدولة، وبيان ذلك كالآتي:
السبب الأول: تاريخ صدور قانون الجنسية البحرينية:
يتبين بجلاء من تاريخ صدور قانون الجنسية البحرينية أنه قد صدر في عام 1963 أي إبّان حقبة الاحتلال البريطاني لمملكة البحرين، ويتضح ذلك حتى صياغة النص وذكره لكلمة “عظمة الحاكم”، ومن المعلوم أن القوانين في تلك الفترة تصدر بناءاً على ما يمليه المستشار البريطاني على حكومة البحرين وحكومات الدول المحتلة، وتهدف تلك القوانين لحماية مصالح المستعمر أكثر منها لحماية المواطنين.
وقد ترتب على ذلك أن يمنح الملك/ عظمة الحاكم السلطات الواسعة والمجردة وغير القابلة للرقابة أو الإلغاء من القضاء أو غيره، والهدف من ذلك بلا ضير هو استمرار سيطرت الاستعمار البريطاني على البلاد، وإقصاء كل من يقف أمام ذلك الاستعمار.
وقد استُغل هذا القانون بعد انتهاء الاحتلال البريطاني ولم يتم تغييره رغم صدور دستور عام 1973 والدستور الجديد عام 2002، ويرجع ذلك للوضع السياسي في البلد، وهو السبب الثاني لركاكة وضعف الضمانات القانونية للمُسقط جنسيته.
السبب الثاني: الوضع السياسي في البحرين:
بعد انتهاء الاحتلال البريطاني في 15 أغسطس عام 1971 ورغم صدور دستور عام 1973 إلا أن قانون الجنسية البحرينية لم يطرأ عليه أي تعديل، إذ لم يتمكن مجلس النواب آنذاك من إجراء أي تعديل على القانون وذلك بسبب حلّه في 26 أغسطس/ آب عام 1975، وانتقلت السلطة التشريعية في يد السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) تسنّ القوانين وفق هواها، ووفق ما يحفظ استبدادها واستمرارها في إقصاء الطرف الآخر المعارض لها والمطالب بحقوقه المشروعة.
وقد تمركزت بعد ذلك السلطة التشريعية في مجلس الشورى البحريني الذي يقترح القوانين، عندما تم تأسيسه في 6 ديسمبر/كانون الثاني من عام 1992 الذي يتم تعين أعضائه الـ 40 وعزلهم بأمر من الملك – الأمير سابقاً – وحده دون معقب عليه، فكان المجلس ومازال يد السلطة التنفيذية التي تسنّ القانونين التي تخدم السلطة حتى ولو تعارضت مع مصالح الشعب وحقوقه.
إن استمرار الانتفاضات الشعبية في البحرين منذ استقلالها في عام 1971 هو ما ترك قانون الجنسية البحرينية وغيره من القوانين الجائرة مستمر العمل بها، فقد شهدت البحرين انتفاضات في مطلع الثمانينات وعلى وجه التحديد في عام 1982، ثم تلتها انتفاضة أشدّ من سابقتها في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1994 والتي استمرت حتى عام 1999 حيث بدأ الهدوء يسود المملكة بتولي الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم (الأمير سابقاً)، ثم جاء الميثاق الوطني في عام 2001 وبدأت فترة ما تعرف بالمشروع الإصلاحي في المملكة.
ورغم عودة الحياة النيابة في البحرين من عام 2002 إلا أن قوى المعارضة قد قاطعت الانتخابات لما أعتبرته من انقلاب على إرادة الشعب الذي صوت للميثاق ثم جاء دستور 2002 الذي حد من سلطات المجلس النيابي المنتخب خلافاً لما نص عليه الميثاق، وشل دستور 2002 الجديد يد المجلس المنتخب عندما نصّ على أن السلطة التشريعية في البحرين تتكون من مجلسين أحدهما منتخب انتخاباً حرّاً يتكون من 40 عضو ويسمى مجلس النواب، وآخر يتم تعينة من الملك ويتكون من 40 عضو أيضاً ويسمى مجلس الشورى، وظلت بذلك السلطة التشريعية تابعة للسلطة التنفيذية تمنع سن أي قوانين تقلل من سلطات الأخيرة، بما فيها قانون الجنسية البحرينية الذي تم استغلال ما به من تعسف في إسقاط جنسية 31 مواطن خلال شهر نوفمبر 2012.
صفوة القول إن التاريخ و الأوضاع السياسية هما السبب في حرمان المواطن البحريني من ضمانات تكفل له عدم تعسف السلطة التنفيذية في إسقاط جنسيته فقط لظنها أنه يضر بأمن الدولة. ونرى أنه من الواجب أن يتم الغاء قانون الجنسية وصدور قانون جنسية جديد يتواكب مع التشريعات المتقدمة والمعاهدات الدولية التي تنص على ضمانات عديدة تمنع الدول من تجريد الأفراد من جنسيتهم بشكل تعسفي وتركهم في حالة انعدام جنسية أو ما يعرف بـ “اللاجنسية”.
المطلب الثاني
ضمانات القوانين المقارنة والمعاهدات الدولية والشريعة الإسلامية بشأن إسقاط الجنسية
نصّت القوانين المقارنة والمعاهدات الدولية على عدة ضمانات تضمن بمقتضاها الدول والمعاهدات الحد من فكرة إسقاط جنسية المواطنين وخاصة إذا كان الشخص لا يحمل غير جنسية موطنه الأصلي أو الجنسية التي اكتسبها بعد أن تخلى عن جنسيته الأصلية وأصبح من رعايا الدولة التي تسعى لإسقاط جنسيته، وكل ذلك من خلال سعي المجتمع الدولي للتقليل من الأشخاص عديمي الجنسية، وما يترتب عليه من آثار ومشاكل كثيرة كما سوف نبينه أدناه.
ولتسهيل الوقوف على تلك الضمانات التي وضعتها التشريعات المقارنة والمعاهدات الدولية سوف نقسم هذا المطلب لعدة نقاط وهي كالآتي:
أولاً: ضمانات إسقاط الجنسية في القانون المصري.
ثانياً: ضمانات إسقاط الجنسية في القانون اليمني.
ثالثاً: ضمانات إسقاط الجنسية في القانون الدولي.
رابعاً: ضمانات إسقاط جنسية المسلم في الشريعة الإسلامية.
وتفصيل ذلك على النحو الآتي بيانه:
أولاً: ضمانات إسقاط الجنسية في القانون المصري:
نص قانون الجنسية المصري على سبع حالات يجوز بمقتضاها لمجلس الوزراء أن يصدر أمراً مُسبّباً بإسقاط الجنسية، وما يهمنا من تلك الحالات هو الحالة الثالثة التي تنص على أنه ” إذا كانت إقامته العادية في الخارج وصدر حكم بإدانته في جناية من الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج.” وهي الحالة المقابلة للفقرة (ج) من المادة رقم (10) من قانون الجنسية البحرينية التي تجيز للملك أن يسقط جنسية كل من أضر بالأمن العام.
ويبدو أن المشرع المصري كان حريصاً على حفظ حقوق مواطنيه من تعسف السلطة التنفيذية من إسقاط جنسية المصري، فرغم أنه ترك أمر إسقاط الجنسية بيد مجلس الوزراء وليس بيد رئيس الجمهورية إلا أنه وضع ضوابط وضمانات تحصن جنسية المصري من التعسف في إسقاطها، وهذه الضمانات كما هي بينه من نص المادة المذكورة كالآتي:
الأولى: أن يحكم بإدانة الشخص في إحدى الجنايات المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج. وهذا الشرط يقتضي أن يصدر بالفعل ضد الشخص حكماً قضائياً نهائياً ولا يكفي مجرد الاتهام من إحدى سلطات التحقيق أو من جهة الإدارة.
ويتبين من ذلك أن القانون المصري وضع حصانة ضد تعسف السلطة التنفيذية من إسقاط الجنسية وهو وجوب صدور حكم من القضاء النزيه المستقل الذي يفترض فيه أنه سلطة مستقلة بذاتها تنظر لكل حالة على حدة، وتحفظ حقوق الفرد المصري وتصونه من تعسف السلطة التنفيذية أو تقديراتها الخاطئة في إسقاط الجنسية.
الثانية: وتقتضي أن تكون الجريمة من نوع معين وهي الجرائم التي تضر بأمن الدولة من جهة الخارج فقط، وهي جرائم تثبت أنه من الخطر الإبقاء على شخص ثبت انعدام ولائه تجاه الدولة.[30]
وفي هذا ضمانة أخرى افتقدها القانون البحريني، فالأخير قد نصّ على أن أيّ إضرار بأمن الدولة يجيز إسقاط جنسية المواطن دون أن يشترط جسامة معينة بذلك الإضرار، فيمكن كما سبق وأوضحنا ضرورة أن يصدر أمر بإسقاط جنسية كل من يتجمهر أو ينظم مسيرة غير مرخصة إذا كان من شأنها الإضرار بأمن الدولة الداخلي في نظر الملك، دون معقب عليه أو مراقب أو ضرورة إصدار حكم محكمة بذلك.
الثالثة: أن تكون الإقامة العادية له في الخارج. ولعل اشتراط المشرع المصري لهذا الشرط كون الإقامة العادية أي التوطن في الخارج مرجعه الحرص على حماية الجماعة الوطنية من الأشخاص الخارجين عن نطاق سيادة الدولة الإقليمية بحيث لا تستطيع أن تحد من أعمالهم الضارة بكيان الدولة وأمنها ومن ثم فالسبيل الوحيد للتخلص من هذه العناصر الضارة هو طردهم من الجماعة الوطنية.
وهذه ضمانة مهمة جداً لمن يقيم في الإقليم الوطني، إذ أنّ إسقاط الجنسية لمواطن مقيم في البحرين يجعل منه عديم الجنسية ويمنعه من التنقل أو العمل أو خلافه، وينطبق ذات الأمر على المقيم في الخارج إقامة عرضية ليست دائمة، فالمشرع المصري افترض أن عقوبة إسقاط الجنسية هي أقسى أنواع العقوبات وأن المواطن طالما أن له محل إقامة في مصر فإن هناك من العقوبات الأخرى التي نص عليها قانون العقوبات التي تردع الفرد عن ما جاء به من جريمة تمثل إضراراً بأمن الدولة من جهة الخارج فضلاً عن الجرائم المضرة بأمن الدولة من الداخل.
الرابعة: أجاز القانون المصري لمن سقطت جنسيته أن يطلب ردها إذا زال أثر الإسقاط بأن يقدم طلب لوزير الداخلية بطلب رد جنسيته، وتعتبر هذه ضمانة أخرى لمن سقطت جنسيته المصرية، ومع ذلك فإنه يعاب على القانون المصرية أنه ترك مسألة الرد ليس حقاً لمن يطلبها بل تخضع للسلطة التقديرية لجهة الإدارة مُمثلة في وزير الداخلية، ويعيب الفقه على القانون المصري ذلك ويرى بأن الجنسية حق للفرد إذا ما زال سبب توقيع عقوبة الإسقاط له استردادها.[31]
وقد قدر المشرع أن التجريد من الجنسية، بوصفه جزاءً يترتب عليه نتائج خطيرة، يجب أن يبطل مفعوله إذا ما زالت مبرراته أو إذا ما رأت الدولة أن الردع الذي كانت تهدف إليه من وراء التجريد قد تحقق. [32]
ثانياً: ضمانات إسقاط الجنسية في القانون اليمني :
جاء القانون اليمني منفرداً محترماً لجنسية مواطنيه الأصليين فنصّ صراحة في المادة رقم 17 من القانون اليمني رقم 6 لسنة 1990 بأنّ : ” الجنسية اليمنية لا يجوز إسقاطها عن يمني إطلاقاً طبقاً للدستور، ولكن يجوز سحبها ممن اكتسبها وفقاً للأحكام المبينة في هذا القانون.”
ويبدو أن المشرع اليمني قد حظر على أي سلطة في الدولة أن تسقط جنسية اليمني الأصيل، وأجاز القانون فقط سحب الجنسية ممن اكتسبها في تاريخ لاحق أي ( المُجنّس ) وذلك وفق ضوابط محددة نص عليها القانون اليمني مذكورة في مادته رقم 18 وما بعدها.
ويُعتبر القانون اليمني ربما الوحيد الذي حصن جنسية مواطنيه الأصليين ومنع إسقاطها، وهو بذلك يضع أكبر ضمانة للوطني الأصيل، ويرى بذلك أنّ قانون العقوبات كفيل بردع كل من تسوّل له نفسه الإضرار بمصالح الدولة اليمنية سواء من الداخل أو الخارج، فمهما بلغ المواطن اليمني الأصيل من إجرام فيبقى يمنياً سيعود لرشده ووطنه الذي تربى فيه وترعرع، بل أنه يفترض أن اليمني الاصيل لن يسعى للاضرار بأمن الدولة اليمنية متعمداً بل ربما ران عليه الحق والصواب وخلطت عليه الأمور، فلا يتصور أن يسعى مواطن أصيل للإضرار بوطنه، وبهذا فالقانون اليمني يجعل جنسية اليمني الأصيل حقٌ له لا يجوز إسقاطه.
ثالثاً: ضمانات إسقاط الجنسية في القانون الدولي:
أجمعت الهيئات العلمية الدولية على ضرورة تقييد حق الدولة في مجال التجريد من الجنسية، فنصّت لجنة القانون الدولي التابعة لهيئة الأمم المتحدة في مشروعي الاتفاقيتين التي وضعتهما سنة 1954 لتلافي وتقليل ظاهرة انعدام الجنسية على ضرورة امتناع الدول عن الالتجاء إلى التجريد من الجنسية في كثير من الحالات.
ومن ذلك ما نصت عليه المادة رقم 9 من مشروعي الاتفاقيتين من أنه لا يجوز للدولة أن تجرد فرداً أو مجموعة من الأفراد من جنسيتهم لأسباب سياسية أو دينية أو لأسباب متعلقة بالجنس أو العنصر.
ومن ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 8 من المشروعين من أنه لا يجوز للدولة أن تجرد رعاياها من جنسيتهم على سبيل العقاب أو لأي سبب آخر إذا أدى هذا التجريد إلى انعدام جنسيتهم. أي يفترض أن يكون المواطن المسقطة جنسيته يحمل جنسية دولة أخرى وإلا فلا يجوز للدولة تجريده من جنسيته كما جرى لبعض من أسقطت جنسياتهم في البحرين مؤخراً.
كما نصت المادة 7/3 من المشروعين السالفي الذكر من أنه لا يجب أن يفقد الشخص جنسيته بحيث يصير عديم الجنسية بسبب مغادرته أو إقامته في الخارج.
كما نصت المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعدم جواز تجريد الفرد من جنسيته بطريقة تعسفية. وذات النص نصت عليه المادة 29/1 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والمصدق عليه من حكومة البحرين بموجب القانون رقم 7 لسنة 2006، بأنه لكل شخص الحق في التمتع بجنسيته، ولا يجوز إسقاطها عن أي شخص بشكل تعسفي.
رابعاً: ضمانات إسقاط جنسية المسلم في الشريعة الإسلامية:
أنه إذا كانت الجنسية الإسلامية نظام قانوني مستمد من الشرع بمصادره ومن ثم كان من الواجب عدم الخلط بين الجنسية والدين أو العقيدة بالنسبة للمسلمين إلا أن الإسلام والاعتقاد فيه هو أساس تطبيق هذا النظام القانوني، ومن ثم فإن الإسلام إذ يرتب الولاء والانتماء أو الجنسية، فلا يحق للدولة أو أي من سلطاتها أن تقطع علاقة المسلم بالدولة الإسلامية أو تزيل عنه صفة المواطنة إلا إذا لم يعد مسلماً بالارتداد عن إلاسلام. ففي هذه الحالة فقط تسقط جنسيته الإسلامية عنه.[33]
المبحث الثالث
آثار التجرّد من الجنسية في القانون البحريني والقوانين المقارنة [34]
لم ينص قانون الجنسية البحرينية على الآثار التي يترتب عليها تجرّد الشخص من جنسيته أياً كان سبب ذلك التجرد سواء بالسحب أو الفقد أو الإسقاط، وإنما تركها للقواعد العامة التي تنتهي إلى أنه يكون في عداد الأجانب عن الوطن بل من الأجانب غير المرغوب فيهم، ويفقد المجرد من جنسيته البحرينية جميع حقوقه كمواطن، فلا يحق له الانتخاب أوالترشح للمجالس الوطنية، أو تقلد وظيفة عامة، كما لا يستطيع مزاولة أي عمل في إقليم البحرين، كما يحرم من تملك العقارات أو السيارات أو الدخول في شركات وغيره من الأمور التي كانت من حقه قبل تجريده من الجنسية.
بل أكثر من ذلك فإذا ترتب على إسقاط الجنسية أن أصبح الشخص عديم الجنسية، أي أنه لم يكن يحمل جنسية دولة أجنبية وقت فقده للجنسية البحرينية، فإنه بذلك يمنع من مغادرة مملكة البحرين إلا إذا أذنت له السلطات ووجدت دولة أجنبية مستعدة لاستقباله، وإذا كان خارج إقليم مملكة البحرين فإنه لن يتمكن من الدخول إليها وسيحرم من أهله وممتلكاته وتراب وطنه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإسقاط بوصفه عقوبة فإنها تقع على صاحبها فقط دون أن تمتد إلى أبناءه القصر أو زوجته، وذلك لكون العقوبة شخصية تقع على من جاء بفعل معين ترى معه الدولة عدم جدارته في حمل جنسيته. كما نرى – رغم عدم نص القانون البحريني على ذلك – أن إسقاط الجنسية يكون له أثر فوري أي لا يسري على الماضي، وقد نص القانون المصري صراحة على ذلك في المادة رقم 19 من قانون الجنسية المصري، وكذلك القانون الكويتي في مادته رقم 16 من المرسوم الأميري.
ويترتب على تجرّد الشخص من جنسيته من أنه قد لا يجد ملجئاً في دولة أخرى إذا رفضت جميع الدول استقباله فتتضرر بذلك مصالحه ومصالح عائلته ضرراً بالغاً. ولذلك يرى الفقهاء أن الجنسية “عنصر من عناصر الحالة الشخصية للأفراد وأن التجريد منها بمثابة الموت المدني الذي لا يخرج في حقيقته ومن حيث النهاية عن فقد الإنسان شخصيته. وكما اختفت عقوبة الموت المدني من الوجود فإن من الواجب أن تختفي عقوبة التجريد من الجنسية، سيما وأن بإلامكان استبدال هذه العقوبة بعقوبات أخرى تؤدي نفس الغاية التي يودّها المشرع من التجريد كحظر إقامة المذنب في بعض الأماكن أو إلزامه بإلاقامة في مكان معين أو حرمانه من بعض الحقوق التي يتمتع بها المواطن كالحقوق السياسية وتولي الوظائف العامة.” [35]
المبحث الرابع
نموذج لتعسف الدولة في تجريد الجنسية – إسقاط جنسية عن 31 مواطن بحريني
تمهيد:
بتاريخ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 أعلنت وزارة الداخلية عبر موقعها على تويتر ثم تبعتها وكالة أنباء البحرين عن إسقاط جنسية 31 مواطن بقرار من وزارة الداخلية، وقد شملت القائمة كل من: الشيخ حسين نجاتي، الشيخ محمد سند، السيد علوي البلادي، السيد عبدالنبي عبدالرضا وشقيقه عبدالأمير ومحمد علي وزوجة الأول السيدة/ مريم السيد إبراهيم حسين، والأخوين النائبين البرلمانيين الوفاقيين جواد وجلال فيروز، المحامي تيمور كريمي، سعيد الشهابي، عبدالهادي خلف، عبدالرؤوف الشايب، علي حسن المشيمع، عباس عمران، إبراهيم كريمي، جعفر الحسابي، موسى عبدعلي علي، محمد الخراز، قاسم بدر، حسن أمير أكبر، حسين حبيل، كمال أحمد كمال، غلام محمدي، محمد فتحي، محمد رضا عابد، حبيب درويش غلوم، إبراهيم غلوم، إبراهيم درويش غلوم، إسماعيل درويش غلوم، وعدنان أحمد كمال. [36]
وقالت وزارة الداخلية في بيان أصدرته في منتصف ليلة الثلاثاء الموافق 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 إنه ” استناداً إلى نص البند (ج) من المادة رقم (10) من قانون الجنسية والتي تجيز إسقاط الجنسية عمن يتمتع بها إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة، فقد تم إسقاط الجنسية البحرينية عنهم.”
وقد جاء هذا القرار باطلاً وغير سليم من كل الاتجاهات، فهو لم يصدر من سلطة مختصة بذلك، كما أنه لم يثبت حتى تاريخه صدور أي حكم نهائي بحق أي ممن أسقطت جنسياتهم في جريمة مضرة بالأمن العام، وعليه يترتب على ذلك القرار أنه يكون والعدم سواء ولا مكان لتطبيقه على الأشخاص المذكورين من الناحية القانونية، ولبيان ذلك نورد الأسباب التي تدعو لبطلان ذلك القرار، وهي على النحو الآتي:
السبب الأول: بطلان قرار وزارة الداخلية لصدوره من سلطة غير مختصة بإصداره “عيب عدم الاختصاص”.
السبب الثاني: عدم مفعولية القرار حتى لو صدر من أمر من الملك لعدم نشره في الجريدة الرسمية.
السبب الثالث: بطلان قرار وزارة الداخلية لعدم توافر شروط البند (ج) من المادة (10) من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 ” عيب مخالفة القانون/ عيب المشروعية”.
ولبيان ذلك نورد التفصيل الآتي:
السبب الأول: بطلان قرار وزارة الداخلية لصدوره من سلطة غير مختصة بإصداره “عيب عدم الاختصاص”:
تنص الفقرة (ج) من المادة رقم (10) من قانون الجنسية البحرينية سند القرار على أنه: “يجوز بأمر عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية:
إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة.”
ويتبين من صريح نص المادة المذكورة أن المشرع منح الحاكم أي الملك دون غيره سلطة إسقاط الجنسية البحرينية دون غيره من أعضاء السلطة التنفيذية بما فيهم وزير الداخلية ورئيس الوزراء، وحيث أن البيان الذي صدر من وزارة الداخلية أو وزير الداخلية لم يتبين من خلاله أن أمراً ملكية قد صدر من الملك بإسقاط جنسية المذكورين، وعليه فإن وزير الداخلية بذلك يكون قد تعدى على اختصاص الملك ونصب نفسه مكان الحاكم وهو ما لا يجوز قانونًا ولا دستوريًا مما يؤدي بذلك القرار للبطلان واعتباره هو والعدم سواء ولا يترتب عليه أي أثر.
ويؤكد ذلك ما ذهب له الأستاذ المحامي عبد الله الشملاوي بأنّ: ” إسقاط وزارة الداخلية جنسية الأشخاص الـ 31 الذين نشرت أسماءهم وسائل الإعلام البحرينية يكون قراراً – إن صدر عن وزارة الداخلية – فقد صدر من غير مختص فيكون من ثم منعدماً لتخلف ركن الاختصاص في مصدره ذلك أن الاختصاص يعتبر من أهم العناصر التي يرتكز عليها القانون العام، ويقصد به القدرة على القيام بإجراء أو اتخاذ تصرف ما. وعلى ذلك يقصد بعدم الاختصاص عدم القدرة، من الناحية القانونية، على اتخاذ تصرف معين نتيجة لانتهاك ومخالفة القواعد المحددة لاختصاص السلطة صاحبة التصرف. نخلص مما تقدم إلى أنه يتعين على وزارة الداخلية إما أن تفصح عن أن إسقاط الجنسية البحرينية عمن ذكرتهم وسائل الإعلام على لسانها، إنما هو أمر ملكي، أو أن تتمسك بأنها هي من أسقط جنسية المذكورين كما هو ظاهر الحال في التداول الإعلامي وعلى موقع وزارة الداخلية، فيكون قرارها منعدماً من الناحية القانونية لتخلف ركن الاختصاص.” [37]
ولا يحتاج هذا السبب للإسهاب في شرحه فالأحكام القضائية والقوانين مستقرة على أنه إذا حدد القانون آلية معينة أو جهة محددة لإصدار قرار معين فلا يجوز لسواها التعدي واغتصاب ذلك الحق وإصدار قرار عنها حتى لو فوضت بذلك، وإلا أصبح قرارها معدوم وباطل.
السبب الثاني: عدم مفعولية القرار حتى لو صدر أمر من الملك لعدم نشره في الجريدة الرسمية:
ينص القانون رقم 52 لسنة 2006 بشأن نشر اللوائح الإدارية على ضرورة أن يتم نشر كل قرار يصدر من مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء أو الهيئات والمؤسسات العامة يتضمن قواعد عامة ملزمة تطبق على عدد غير محدد من الأفراد. ويجب أن يتم النشر في الجريدة الرسمية التي تصدر من الهيئة العامة للإعلام، وأنه وفقاً لنص المادة الثانية من القانون المذكور لا يعمل بتلك القرارات إلا من اليوم التالي لنشرها في الجريدة الرسمية.
وحيث تضمن بيان وزارة الداخلية بشأن إسقاط جنسيات عدد 31 مواطن أن وزير الداخلية سوف يخاطب جميع الوزارات والهيئات لاتخاذ اللازم في مواجهة الذين أسقطت جنسياتهم، بما مفاده أن قرار الإسقاط لا يتعلق بالأفراد المسقطة جنسياتهم فقط بل هو يخاطب عدد غير محدود من الأفراد وهم الموظفين العموميين الذي يعملون في الوزارات والهيئات المختلفة، والذي سيلتزمون باتخاذ اللازم تجاه الأشخاص الذين تم إسقاط جنسايتهم.
وتأسيساً على ذلك واستناداً على نص المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 52 لسنة 2006 بشأن نشر اللوائح الإدارية سابقتي الذكر، وحيث أنه حتى تاريخه لم ينشر قرار وزارة الداخلية أو الأمر الملكي على فرض جدلي بصدور أمر بذلك، فإن ذلك القرار غير ساري المفعول ولم يعمل به حتى تاريخه، وبالتالي كل إجراء يتخذ بحق هؤلاء المواطنين يعتبر باطل، وهم ما زالوا يتمتعون بحقوقهم كمواطنين بحرينيين لأنهم لا يفقدون تلك الصفة إلا من اليوم التالي لنشر ذلك الأمر الملكي أو القرار الوزاري الباطل.
السبب الثالث: بطلان قرار وزراة الداخلية لعدم توافر شروط البند (ج) من المادة (10) من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 (عيب عدم المشروعية):
البيّن من نص المادة التي استند عليها قرار إسقاط الجنسية أنه أوجب لإسقاط الجنسية أن يكون الشخص قد أضر بالأمن العام للدولة، وحيث أن قانون العقوبات البحريني قد نص في فصليه الأول والثاني من الباب الأول على الجرائم التي يعتبر مرتكبيها قد أضروا بأمن الدولة سواء من جهة الخارج أو الداخل، فإنه يلزم في نظرنا رغم عدم النص صراحة على ذلك أن يصدر حكم جنائي نهائي بحق الشخص في جريمة مضر بالأمن العام للدولة.
ويؤكد ضرورة صدور حكم نهائي بات من المحاكم الجنائية بشأن جريمة تضر بالأمن العام على الشخص المراد إسقاط جنسيته تفسير المحامي عبدالله الشملاوي للبند ج من المادة 10 من قانون الجنسية البحريني وذلك وفقاً لما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصدق عليه من حكومة البحرين، فيقول الشملاوي بأنه: ” وكل تلك الجرائم لابد أن تثبت بحكم بات تتوافر فيها للمتهم المحاكمة المنصفة وفقاً للمادة 20 من الدستور والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وأن يصدر من التجريد من الجنسية بأمر من رئيس الدولة”. [38]
ومن ذلك يتبين أن قرار وزارة الداخلية بإسقاط الجنسية عن 31 مواطن جاء مخالف لقانون الجنسية البحرينية فيعاب عليه بعيب عدم المشروعية أو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وحتى على فرض صدور أمر ملكي من الملك فإن هذا الأمر يكون قد خالف القانون لعدم صدور حكم نهائي بات في جريمة مضر بأمن الدولة بحق المسقط جنسياتهم.
صفوة القول إنّ ما صدر من وزارة الداخلية لا يعدو أن يكون عبثاً ليس له في القانون من سند، مما يجعله هو والعدم سواء وعلى المتضررين منه اللجوء للقضاء لوقف هذا التعرض والمطالبة بالتعويض عما لحقهم من ضرر معنوي وربما مادي من جراء هذا القرار المعيب وذلك خلال 60 يوم من إعلامهم بقرار سقوط جنسيتهم.
الخاتمة:
نحمد الله ونشكره على إتمام هذا البحث الذي تضمن بيان مفهوم الجنسية وحالات تجرد الفرد منها وعلى وجه الخصوص حالة إسقاط الجنسية وذلك وفقاً لما نص عليه القانون البحريني والقوانين المقارنة والمعاهدات الدولية، وبيان افتقار قانون الجنسية البحرينية لأبسط الضمانات التي تحمي الموطن من التعسف في إسقاط جنسيته، وكيف أن وزارة الداخلية قد تجاوزت اختصاصاتها بإسقاط الجنسية عن عدد 31 مواطن خدموا الوطن لسنين طوال وتم مجازاتهم بإسقاط جنسيتهم لا لشيء سوى لاختلافهم مع السلطة في وجهات النظر.
ونلتمس من الله العلي القدير أن نكون وفقنا لبيان جانب من المظلومية التي يتعرض لها الشعب البحريني الكريم، وأن تكون الصورة قد تبيّنت في كل الجوانب المتعلقة بالجنسية وتجرد المواطن منها وضماناتها والعيوب التي شابت قانون الجنسية البحرينية.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسيل محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ،،،،
البحرين
11 ديسمبر/ كانون إلاول 2012
المحامي السيد محسن العلوي