إيمان شمس الدين
تنتمي المواطنة للمساواة في الحقوق والواجبات وتطبيق القانون على الجميع دون تمييز، و تنبني على أساس الكفاءة في التصدي للوظائف، ولا تنمو وتزدهر إلا برفع سقف الحريات.
وكلها تتنفس بمبدأ العدالة الاجتماعية، الذي يحلق في جو صحي تدافعي وتنافسي، وبالتالي يوفر أرضيات نفسية فردية واجتماعية للتعايش والتسامح.
إلا أن الواقع يعكس حالة من عدم الرشد والنضج في تجربة المواطنة في العالم العربي والاسلامي، وعدم الرشد الاجتماعي هذا خلق حواجز كبيرة بين مختلف مكونات المجتمع، شكلت حواجز وسواتر نفسية تعيق سريان قيمتي التسامح والتعايش.
فلا يمكن للتسامح والتعايش أن يتحققا بعيدا عن تحقق القيمة الغائية وهي العدالة، وإن تحقق التسامح والتعايش نسبيا فهو تحقق تحت عنوان الضرورة وليس كقيم ثابته. حيث تكون متواجدة كقيم نسبية تفرضها ضرورة الأمن والاستقرار الاجتماعي وليست كأصل، ولتحققها كأصل ثابت فلابد من تحقق العدالة.
وتكمن أهمية تحقق العدالة إنها تحقق كرامة الإنسان، فحينما أدرك أنا كفرد حقيقة كرامتي وأهميتها ستتجلى في كل وجودي مسألة حقوقي الإنسانية، وإدراكي لها هو إدراك لقيمة الآخر وكرامته وحقه، وهكذا يتداعى هذا الفهم من الدائرة الفردية إلى الدائرة الاجتماعية.
ومجرد هذا التداعي للوعي، ستتجلى قيمتي التعايش والتسامح سلوكيا بشكل تلقائي غير متكلف، وثابت غير نسبي، بحيث تصبح تلقائية في المجتمع لإدراك منظومة القيم والحقوق والواجبات كجزء حقيقي من طبيعة الإنسان وليس اعتباري من حيث الوجود، ولكن من حيث التحقق كسلوك فهو نسبي.
وآليات تحقق العدالة تعتمد على أفق الفرد والمجتمع ومدى تطور تجربته السياسية والاجتماعية. وقد تكون الديموقراطية كنظرية سياسية من الآليات التي تحقق العدالة، ولكن بالالتفات إلى أن هناك عدالة عامة ثابته وأخرى نسبية تنتمي لمحيط محدود جغرافيا وثقافيا، فالعامة عالمية ثابته لكل البشر، والخاصة نسبية متغيرة تختص بالمجتمعات والجغرافيا كل على حدة.
والديموقراطية اليوم مفهوم متطور وليس ثابت، وجغرافي وليس عالمي، وان كان فيه اسس ومقومات ثابته.
لكن يمكن لكل شعب وجغرافيا أن تكون له ديموقراطيته الخاصة، و التي من خلالها تتحقق العدالة بثوابتها العامة وبخصوصيتها أيضا الخاصة بكل جغرافيا وشعب. وهذا لا يعني عدم الاستفادة من التجارب البشرية في الديموقراطية، بل يعني تطويرها وتبييئها.
ومن أهم الأسباب في تأخر الرشد الفردي والاجتماعي في فضاء المواطنة هو:
وهناك كثير من الأسباب التي لا يتسع الوقت للخوض في غمارها.
ومن وجهة نظري أن الاندماج الاجتماعي لا يتم إلا بتكريس قيم المواطنة والتسامح والتعايش، ولا يمكن لمنظومة القيم أن تنهض عمليا في المجتمع إلا بترشيد الوعي الفردي والاجتماعي، والنهوض بعملية التربية والتعليم، فبناء الإنسان بناء صحيحا سيكون كفيل بتحول الحواجز النفسية إلى جسور تواصلية، تبني مجتمعات متعاضدة ومتكاتفة ، تتدافع وتتنافس للعيش بكرامة، وتسعى للنهوض بالعدالة الاجتماعية من خلال الدفع باتجاه مزيد من الحريات، ومزيد من المطالبات الاصلاحية في النظم السياسية، هذا الدفع سيكون بوابة لتحقيق العدالة التي هي جسر الإنسان في تكريس كرامته ، وبالتالي حفظ حقوقه من الانتهاك، وتتجلى فيه قيمة الانصاف والمساواة في داخل المجتمع.
وكون الدول تطغى عليها مجموعة المصالح المتشابكة مع دول أخرى خاصة الاستعمارية منها، فسيكون تحقيق هذا الرشد الاجتماعي أمرا بعيد المنال، كونه يعيق وجودها وهيمنتها على الثروات، فلابد من النهوض بالمجتمع المدني ليمارس دوره في هذا الرشد ويرفع منسوب الوعي، فيدفع باتجاه المزيد من المطالبات الاصلاحية، والمزيد من إزالة الحواجز النفسية داخل المجتمع وبين مكوناته، ويبني جسور تتعاضض فيها الطاقات والامكانات البشرية لتشكل كتلة متراصة في وجه السلطات المهيمنة وتدفعها للعمل إلى مزيد من الاصلاحات السياسية والنهوض بقيم المواطنة. ومن الطبيعي أن يحدث تصارع بين إرادة الشعوب وإرادة السلطات، على أن يكون صراعا سلميا الغاية منه تحقسق تقدم في أداء السلطات وإدارتها للدولة، لتتحول من سلطة الفرد والعائلة، إلى سلطة المؤسسات والدستور والشعب كمصدر لكل هذه المؤسسات، وهو ما يعني تطوير قدرات الشعب على الرقابة والمحاسبة، وعلى المعايير التي يجب أن تتوفر في من سيمثله في تلك المؤسسات.
وهو عمل صعب لكنه ليس مستحيلا فيما لو تظافرت جهود المخلصين للبدء بعملية الترشيد والنهوض بالوعي.
Join us
Sign up to receive our weekly newsletter, hear about our campaigns and ways to get involved, including volunteering and donating:
You can unsubscribe at any time by clicking the link in the footer of our emails. By pressing subscribe you acknowledge your data will be passed to Mailchimp for processing. You can read our Privacy Policy.