للكاتبة: إيمان شمس الدين
تتفاعل أغلب القوى والشخصيات السياسية مع السلطة تفاعلا نسبيا مرتكزا على قاعدة تبادل المصالح، تعمد السلطة في كثير من الأحيان ضمن هذه التفاعلات النفعية في ظل غياب دولة حقيقية، تعمد إلى لعبة تتحول فيها القوى والشخصيات المتفاعلة معها إلى أوراق ربح وخسارة في يدها.
خاصة في ظل نظام قبائلي الهوى و المضمون ديموقراطي الشكل، تتشكل قواه المركزية على أساس القوة الاقتصادية وليس القوة التنموية البشرية وكرامة الإنسان وحقوقه. تدار الدولة وفق مصلحة التجار والسلطة ومن يدور في فلكهم، ويكون الدين الغطاء الشرعي الذي تحظى من خلاله على تخدير المجتمع ومن ثم مقبوليته. وتقرب لذلك كل فقيه سلطة.
لكنها في ذات الوقت تضعه تحت سلطتها كونه المظلة الشرعية التي من خلالها تهيمن على الجمهور .
فتصبح لعبة الأوراق في ظل هذه الظروف خاضعة لكثير من الاعتبارات الداخلية والخارجية، لذلك تتصرف بهذه الأوراق وفق الظروف و بعدة طرق.
إذا انتهت صلاحية إحدى الأوراق نتيجة تبدل الظروف، فإنها تعمد إما إلى :
1. تجميدها بطرق كثيرة، منها إبعادها عن مراكز القرار و تحجيمها سياسيا ليقل تأثيرها، وتبقي على عملية التجميد هذه إلى حين تبدل الظروف مجددا. عملية التجميد خيار غير معمم، بمعنى أنه خيار للخواص الذين تعلم بأنهم قوة مقلقة لها، وقوة وجبهة تشكل رصيد في حساباتها السلطوية، لذلك جل ما تفعله للتأديب أو التذكير في حالة خروجها عن المألوف هو التجميد المؤقت.
2. وتستخدم أسلوبا آخرا مع قوى وشخصيات سياسية أقل حجما من تلك، حيث تحاول حرق هذه الورقة بالاستهداف الأمني، وتشويه صورتها اجتماعيا تسقطها أو تهمشها لدرجة التهشيم، خاصة مع القوى التي تمثل أقليات في الدولة، ويكون ذلك بعدة طرق:
* تهم أمنية تعمل على صناعتها وفبركتها وتشغل ماكنتها الاعلامية في الترويج لهذه التهم وتثبيتها دون أن تظهر أنها وراء هذه الفبركات.
* وثائق فساد كأدلة على تورطها، تبتزها وتحاول تحجيمها أو إسكاتها.
* سحب الجنسية وهي أعنف وسيلة كونها تسقط عن الجهة المستهدفة كل حقوقها وتجريدها من كل مستحقاتها بل تجردها من هويتها الوطنية.
هذا الصراع بين القوى والشخصيات السياسية والسلطة يخلق هاجسا لدى مكونات الدولة، هو هاجس الاستهداف، بالتالي يخلق حالة متشنجة مستديمة، بحيث تستنفر الأطراف قواها في التفكير في ردود أفعال و رسم مخططات تأهبا لأي استهداف محتمل، مما يشغل القوى والشخصيات السياسية بهذه الصراعات بدل انشغالهم ببناء الوطن، ونهضته وتطوره، وتنشغل السلطة في صرف نظرهم بهذه الصراعات الذاتية لتمرر ما تريده من مشاريع تخدم مصالحها لا مصلحة الشعب، وتبقى هي المهيمنة والمحركة لموازين القوى وفق ما تقتضيه المصلحة التي تشخصها.
هاجس الاستهداف الأمني أو السياسي، من جهة يعتبر ورقة ضغط بيد السلطة كونها تملك القرار وتنفيذية القوانين وسلطة الأمن ، ومن جهة أخرى يخلق حالة من الخوف التي تجيرها تلك القوى والشخصيات في سبيل تطويع المنتمين لها، ومنع أي عمليات تقييم ونقد وتدوير ومحاسبة بحجة الاستهداف، و تطوع كل المنظومة في هذا الصراع ، وتتوقف برامجها ومشاريعها و تطلعاتها بل أحيانا تحركاتها بحجة هاجس الاستهداف. وفي ذات الوقت تعمل على توسيع دائرة الإنتماء إليها في المجتمع من خلال تسويق هاجس الاستهداف، والترويج لمظلومينها برفع شعار معارضتها للسلطة بحجة فساده السلطة وعدم احترامها للدستور والقانون، رغم أن كثير من هذه القوى كان شريكا للسلطة في الفساد.
فيتحول في ظل هذه الصراعات الانتماء إلى انتماءات، تغيب عنها ثقافة المواطنة وتحضر هويات متعددة انتمائية مذهبية وقبلية وعائلية، وتصبح هذه الانتماءات مرجعية لكثيرين، ومع غياب تطبيق القانون ومواجهة المفسدين، وتطبيق العقوبة بحق المتعدي على القانون، فتصبح بذلك زمام الأمور بيد السلطة حتى مع وجود مجلس نيابي وانتخابات، لكنها مسحوبة الروح و موقوفة الفاعلية كما يجب، ويتحول مجلس البرلمان إلى ساحة أخرى للصراع وتصفية الحسابات وتحقيق المكاسب. بحيث تكون ساحة الانتخابات ساحة صراعات أخرى بين هذه القوى والسلطة.
وتدخل الدولة بمكوناتها في دوامة صراعات ومشاكل مستديمة، فالسلطة تنشغل في تشكيل الأزمات مع القوى وإشغالهم، والقوى تنشغل بهاجس الاستهداف وردود الأفعال، والشعب منقسم في انتمائه بين سلطة وقوى وشخصيات سياسية، وفي الأغلب يتم توظيفه في هذا الصراع وإشغاله واستنزافه به. وتصبح محركات الشعب تحت شعار الإصلاح في أغلبها الظواهر الصوتية، والشعارات، و الهبّات التي تخمد وتصمت عند أول مواجهة مع الأمن أو مع السلطة، كون أغلبها يندرج تحت بند تصفية الحسابات باستخدام إما أداة النيابة في البرلمان، أو القوة العددية المحيطة به من الجمهور. وليس حراكا إصلاحيا حقيقيا.
وتغيب البرامج النهضوية، ومشاريع القانون البناءة، وتصبح ساحة المجلس النيابي ساحة لتصفية حسابات القوى والشخصيات السياسية بعضها مع ومن جهة أخرى مع السلطة. هذا فضلا عن إنشغال المجتمع بقضايا هامشية مذهبية أو داخلية لا تمت لهدف الإصلاح والنهضة بصلة، بل لاعتياد الشعب على مبدأ الهبّات و اعتباده على أن يقتات على الإثارات وخاصة الرخيصة منها، لعحزه عن التغيير بعد تكبيله عقليا وسلوكيا.
و للتخفيف من احتقان الشعب مع تراكم الفساد، وتدهور الخدمات المقدمة للمواطن، تلجأ السلطة لعمل مشاريع جديدة تنفيعية المضمون تطويرية الظاهر، كنوع من امتصاص النقمة نتيجة التراجع، ولتظهير قدرتها النافذة في التطوير وعجز النواب والقوى السياسية في ذلك وتحولهم حجر عثرة نتيجة صراعاتهم، لكنها في واقع الأمر مشاريع تنفيعية لطبقة التجار والمقربين من السلطة، كون المشاريع النهضوية الحقيقية أول ما تعتني به وتنهض فيه هو المجال التعليمي و تطوير مناهجه، وتفعيل المراكز البحثية وتطوير أدواتها، و التركيز على الانتاج والتصدير لا فقط على الاستهلاك والتوريد، لتصبح مستقلة ذاتيا، وتنويع مصادر الدخل والاستفادة من كل الطاقات المحلية، وغياب هذا كله هو غياب لحقيقة النهضة والتقدم والتطوير.
وبذلك تتحول وظيفة كل جهة، وتهدد بنى الدولة ومؤسساتها ووحدة المجتمع وأمنه واستقراره النفسي والاجتماعي الاستراتيجي.
هذه الدوامة تحتاج لرجال دولة يعمدون إلى إيقافها، وإعادة نصاب الدولة إلى وضعها الصحيح، و وضع كل جهة في وظيفتها المناطة بها. وهذا ما يحتاج إفراد مقال آخر له.