حقوق الإنسان من المسائل الفطرية، وليست مما يحتاج لمزيد بيان، فالناس سواء، والمنطق يقضي بأن حكم المتماثلاتفيما يجوز وما لا يجوز واحد، لا يتغير بتغير الأفراد، وأن تلك الحقوق، لم تخلقها القوانين، فهي تولد مع الإنسان؛ بل أن بعضتلك الحقوق، توجد للإنسان قبل ولادته، وهو لم يزل حملا، فتأتي الشرائع لتنظم تلك الحقوق وتكفلها، فإن قيدتها، عد ذلكانحرافا من المشرع عن غرضه. وقد ورد أهم الحقوق في الذكر الحكيم في قوله تعـــالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍوَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) سورة الحجرات الآية 13. وقـال تعـــالـى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ….) سورة بني إسرائيلالآية 70. وهنا تتجلى المساواة بين الناس في أن الخطاب موجه إليهم بوصفهم بشرا دون ارتكاز على جنس أو لون أو عرق أومعتقد، وإنما الارتكاز فقط على التساوي في أصل الخلقة وهو الآدمية كمعيار أوحد، ومع هذا التساوي، يتساوى الناس فيالحقوق، فتغدو كل الحقوق أوجها متعددة لمسمى واحد وهو المساواة، أو هي أضلاع متعددة لمجسم واحد، هو الحق فيالمساواة، الأمر الذي تأكد على لسان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، إذ يقول : (الناس سواسية كأسنان المشط، كلكملآدم، وآدم من تراب، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح). ويقول الإمام علي عليهالسلام في عهده لمالك الأشتر لما ولاه مصر: الناس صنفان، أما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق).
وقد استهلت نصوص الميثاق العالمي – بعبارة لكل فرد وأحيانا لكل شخص، وجاءت المادة (2)، بعبارة لكل إنسان حق التمتعبكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان وحظرتا أي تمييز بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي – كماجاءت المادة (26) بعبارة ( جميع الناس متساوون أمام القانون ويتمتعون دون تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته).
وقـد قضت المـادة (7) مـن الميثاق العالمي لحقـوق الإنسان بـأن: (كل الناس سواسية أمام القانون)، كما وقـررت ذلك المادةالرابعة من الدستور البحريني بقولهـا: (أن المساواة من دعامات المجتمع التي تكفلها الدولة). وهو ذات ما نص عليه ميثاقالعمل الوطني في البنـد الأول من الفصل الأول منـه حيث يقـول: (العدل أساس الحكم، والمساواة وسيادة القانون والحريةوالأمن والطمأنينة العلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين، دعامات للمجتمع، تكفلها الدولة). وجاء في البندثانيا من ذات الفصل من الميثاق: (الحريات الشخصية مكفولة والمساواة بين المواطنين والعدالة وتكافؤ الفرص دعاماتأساسية للمجتمع. ويقع على الدولة عبء كفالتها للمواطنين جميعا بلا تفرقة، ويأتي ذلك ضمن مبدأ أعم هو مبدأ المساواةبين الناس في الكرامة الإنسانية). ولعل الميثاق استلهم ذلك من قوله تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم).
مبدأ المساواة أساس الحقوق والحريات، فإذا لم يحترم انهارت قيم المجتمع. إذن فهو حجر الزاوية في كل تنظيم ديموقراطيللحقوق والحريات العامة، فحق المساواة من الديموقراطية بمثابة الروح من الجسد، فإن غاب انهار مدلول الحرية، لذا نصتعليه الشرائع والدساتير المقارنة، وجاءت القوانين مؤكدة عليه؛ بوصفه روح الحياة الاجتماعية، فلا يجوز حرمان أحد من حق أوإعفاء أحد من واجب بل الكل سواء ضمن معيار وحيد هو الإنسانية، مهما كان موقف ذلك الإنسان من السلطة القائمة. وقدنصت المادة (18) من دستور البحرين على أن : الناس سوية في الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لـدى القانون فـيالحقوق والواجبـات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة .
لما كان من المقرر عند فقهاء القانون الدستوري أن الديمقراطية إذا كانت لا توجد دون حرية فإنها لا توجد كذلك دون مساواة،؛ ذلك أن المساواة هي مِلاكُ الحياة الاجتماعية الحديثة ومن الحق أن تكون أهم مطالب الدستور. والمقصود بها ألا يُفرِّقالقانون بين الأفراد فلا يحرم أحد ولا طائفة من الناس شيء من الحقوق المدنية والسياسية ولا يقال أحدا من الواجبات أوالتكاليف العامة، أو أن يوضعه في