كتبه: المحامي عبدالله الشملاوي
القانون رقم (25) لسنة 2018
بتعديل المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002
بشأن مباشرة الحقوق السياسية
نحن حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين.
بعد الاطلاع على الدستور،
وعلى المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية وتعديلاته،
وعلى المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلسي الشورى والنواب وتعديلاته،
وعلى القانون رقم (26) لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية وتعديلاته،
أقرَّ مجلس الشورى ومجلس النواب القانون الآتيَ نصُّه، وقد صدَّقنا عليه وأصدرناه :
المادة الأولى
يُستبدَل بنص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوقالسياسية، النص الآتي:
“ويُمنع من الترشيح لمجلس النواب كل مَن:
1- المحكوم عليه بعقوبة جناية حتى وإنْ صدر بشأنه عفوٌ خاصٌ عن العقوبة أو رُدَّ إليه اعتباره.
2- المحكوم عليه بعقوبة الحبس في الجرائم العمْدية لمدة تزيد على ستة أشهر حتى وإنْ صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة.
3- قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلَّة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أيِّ قانون من قوانينها.
4- كل مَن تعمَّد الإضرار أو تعطيل سير الحياة الدستورية أو النيابية، وذلك بإنهاء أو ترْك العمل النيابي بالمجلس، أو تم إسقاط عضويته لذات الأسباب.”
المادة الثانية
على رئيس مجلس الوزراء والوزراء – كل فيما يخصه – تنفيذ أحكام هذا القانون، ويُعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
ملك مملكة البحرين
حمد بن عيسى آل خليفة
وسنتناول هذا القانون من وجهين أولهما مدى دستوريته والثاني
أولا : مدى دستورية قانون العزل السياسي ضد أعضاء الجمعيّات السياسية:
لماكان المشرع يملك سلطته التقديرية لوضع شروط يحدد من خلالها المراكز القانونية التي يتساوي فيها الأفراد أمام القانون ؛ لأنه يكون قد أعمل سلطته التقديرية المخولة له أعمالا للتفويض الدستوري الذي أحال إليه تنظيم مباشرة المواطن للحقوق الدستورية، دون وضع قيود محددة لهذا التنظيم ؛ ذلك أنه وإن كان الأصل في سلطة التشريع عند تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ، ما لم يعبر الدستور بقيود محددة ، وأن الرقابة على دستورية القوانين تنعقد إذا جاءت ، دون التقيّد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، ومن ثم فإن تنظيم المشرع لحق المواطنين في الانتخاب ينبغي ألا يُضعِفَ هذا الحق أو ينال منه على نحو ما سلكته نصوص القانون محل التعليق ،والتي حرمت جُمُوعا من المواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية؛ إذ مَسَّ ذاك القانون بحقهم في المساواة، ومن ثم تكون نصوصه قد تعرضت لحقوق عامة كفلها الدستور وفرقت فيما بين المواطنين في ممارستها، فجاوز بذلك المشرع العادي دائرة، ذلك الحق ؛ الأمر الذي يتم إخضاعه لما تتولاه المحكمة الدستورية.
وإذا كانت الحقوق والحريات العامة لصيقةً بالإنسان باعتبارها حقوقا أصلية ، فإن دور المشرّع الدستوري لا يعدو أن يكون كاشفا عنها. وإذا كان الأمر كذلك فإن دور المشرع العادي في تنظيمها لا يجوز أن يُتخذ ذريعة للانتقاص منها فضلا عن إهدارها ، وإن تنظيم الحق في ممارسة أية حرية لا يمكن أن يصل إلى حد الإجهاز عليها وإلا كان هذا التنظيم غير دستوري. إذن فالقضاء قد أباح تنظيم الحق بشرط ألا يترتب عليه العصف به أو النيل بضرر جسيم من حق أي مواطن في الانتخاب على قدم المساواة على أساس تكافؤ الفرص مع غيره من المواطنين المتماثلين معه في المركز القانوني.
حكم الدستورية العليا المصرية في 1987.5.16 – ق 131 – س6 – مجموعة المحكمة ج4 رقم 5 ص31 – منشور في مؤلف الدكتور زكي عبدالبر دور المحكمة الدستورية في حماية الحقوق والحريات العامة – ص679.
وعلى ذلك جرت نصوص الدستور البحريني ذات الصلة
المادة – 4– المساواة- وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة.
المادة – 18– الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
المادة – 31– لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، وبناء عليه، ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية.
ولقد عُني القضاء الدستوري المقارن في الديموقراطيات العريقة بإقامة مبادئ سلطات الأزمة بما يتفق مع الدستور وأكد أن واجب الدولة هو كفالة لاحترام مؤسسات الدولة واستمرار حياة الأمة وضمان حقوق وحريات المواطن، وأن المهام الدستورية تقع بوجه خاص على السلطة التشريعية وعلى رأس الدولة وعلى الحكومة، كل في حدود اختصاصه، وفى سبيل ذلك يكون للمشرع في حالة الضرورة أن يجرى توازنا ضروريا يبن احترام وحماية النظام العام الذي لا يمكن بدونه كفالة الحريات وبين ممارسة الحريات، بشكل لا حيف فيه. وقد طرح الأستاذ الفقيه الدكتور عبد الرزاق السنهوري نظرية في نطاق الرقابة على دستورية القوانين ؛ إذ يرى وجوب النظر فيما إذا كان التشريع يُخالفُ روح الدستور، أي يعتوره عيب الانحراف في استعمال السلطة التشريعية. وقد أثارت هذه النظرية لغطاً كثيراً في الفقه الدستوري بين مؤيد ومعارض، ونُحيل بشأنها إلى الدراسات المتعمقة بهذا الشأن لمن أراد التفصيل، ولكن يمكن التعرض لبعض ملامح هذه النظرية الرائدة وبعض صورها التي تتعلق بموضوعنا،فقد أسس العلامة السنهوري نظريته على القياس ، حيث قاس فكرة الانحراف التشريعي على فكرة الانحراف الإداري، ورتب عليه سلطة القضاء الدستوري في إلغاء القانون الذي يخرج عن روح الدستور. ومعياره في ذلك المصلحة العامة التي يجب أن يتوخاها المشرع دائماً في تشريعاته، وكذلك الغاية المخصصة المرسومة لتشريع معين، ضرب لذلك فروضاً منها كفالة الحريات والحقوق العامة في حدودها الطبيعية ؛ خصوصاً بالنسبة للحريات المطلقة كحرية الاعتقاد وعدم جواز إبعاد المواطنين، أو تسليم اللاجئين السياسيين
واحترام الحقوق المكتسبة وعدم المساس بها في غير ضرورة أو من غير تعويض، ومخالفة التشريع لمبادئ الدستور العليا والروح التي تهيمن على نصوصه، وهو ما يمكن أن يُستخلَصَ من مجموع نصوص الدستور والفلسفة التي أقيم عليها، كالمساس باستقلال القضاء أو بحق التقاضي.
وهنا يثور تساؤل مفاده هل يجوز للقضاء الدستوري رقابة مدى ضرورة التشريع، أو ملاءمته، أو بواعثه ؟
ونجد الإجابة في أن القضاء الدستوري المصري ،العريق ، قد استقر على أنه لا يجوز نظر مدى ضرورة التشريع ؛ لأن في ذلك تعدٍ على اختصاص صاحب السلطة الأصيل في التشريع ، وهو هنا السلطة التشريعية المنتخبة، ويخضع التشريع من ثم لتقديراتها وحدها دون رقابة من القضاء الدستوري في ذلك، وكذلك الحال مع ملاءمة التشريع ؛ إلا أن ذلك لا يعني إطلاق يد السلطة التشريعية في التشريع دون التقيّد بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، كأن يتخذ المشرع من التشريع وسيلة إلى حظر الحق أو إهداره، أو التعدي على جوهره أو النيل منه، وهو ما يمكن تطبيقه على التشدد والصرامة الواردة في ثنايا القانون محل حديثنا فإن أقل ما يعتورَه هو عيبُ عدم الملائمة والتطويح بالحقوق من خلال الصياغة الفضفاضة لنصوصه، وهو عيب في ذاته يُنافي حسن الصناعة التشريعية حتى أنه يمكن القول بأن أعداد المسودة ليست صيغة بل هي اقرب لأعمال الحِدادة ، منها لأعمال الصياغة .وإن المحكمة الدستورية العليا في مصر نظرت في مدى تجاوز التشريع للحدود المنطقية في الجزاءات ومدى مُلاءمتها مع الفعل المؤثم، وعليه فإن القضاء الدستوري المقارن لم يستنكِف عن مد رقابته حتى على ملآءمة التشريع.
وإن إقرار قانون يقضي بحرمان قيادات الجمعيات السياسية وكوادرها الفعليين ، التي جرى حلها قضائيا بطلب من السلطة التفيذية من حَقِ الترشح في الإنتخابات البلدية والنيابية ،لهو مما يتعارض مع الدستور ويمثل حالة من تعسف المجلس التشريعي في سلطاته؛ خصوصا اذا كان الطلب يمس اي حق من حقوق المواطنين التي كفلها الدستور واللوائح والقوانين المنظمة .وعلى الخصوص المواد:
(م1-5)للمواطنين ، رجالاً ونسا ًء ،حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بمافيهاحق الانتخاب والترشيح وذلك وفقًالهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي یبينها القانون . ولا یجوز أن یحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقا للقانون
كما نصت المادة-18- من الدستور على أن : الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ویتساوى المواطنون ل دى الق انون ف ي الحق وق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب
الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدین أو العقيدة
واستطردت المادة -31- من الدستور على أن
لا یكون تنظيم الحقوق والحریات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحدیدها إلا بقانون، أو بنا ًء عليه . ولا یجوز أن ینال التنظيم أو التحدید من جوهر الحق أو الحریة
وفي شأن شروط عضوية مجلس النواب قررت المادة – 57
من الدستور مايلي:
– یشترط في عضو مجلس النواب
أ – أن یكون بحرینيا ، متمتعاً بكافة حقوقه المدنية والسياسية ، وأن یكون اس مه م درجًا في أحد جداول الانتخاب
ب- ألا تقل سنه یوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادیة كآملة
جـ – أن یجيد قراءة اللغة العربية وكتآبتها
د – ألا تكون عضویته بمجلس الشورى أو مجلس النواب قد ُأسقطت بقرار من المجلس الذي ینتمي إليه بسبب فقد الثقة والاعتبار أو بسبب الإخلال بواجبات العضویة
الامر الذي يجعل هذا ا القانون هذا ، نوعا من شرعنة العزل السياسي، فيكون معيبا بعدم الدستورية ؛ لان المادة 31 تصرح بانه لا یجوز أن ینال التنظيم أو التحدید من جوهر الحق أو الحریة
وعدم الجواز هنا توجيه من السلطة التأسيسية للسلطة التشريعة ان تراعي وهي تنظم الحقوق والحريات أن تكون اداة التنظيم هي القانون بالمفهوم المحدد لنص المادة – 70-من الدستور ، وبشرط عدم مخالفة ذلك التنظيم للدستور كما هو الظاهر من الاقتراح المكارثي لابل الكارثي، ولا يُردُ على ذلك بالتساند لذيل الفقرة الخامسة من المادة الأولى من الدستور التي تقرر : ولا یجوز أن یحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقا للقانون
فلو نص القانون على حِرمان أحد من ذلك الحق ، لصُرنا أمام مُخالفة لحكم المادة 31 من الدستور المذكورة التي تقرر أنه :
لا یجوز أن ینال التنظيم أو التحدید من جوهر الحق أو الحریة،
ومن باب أولى إذا كان من شأن القانون المقيد للحق أن يُطوِّح به ويسبيه تماما وهو ما وصفه العلآمة السنهوري بعيب الانحراف في استعمال السلطة التشريعية الذي يُوجب على القضاء الدستوري التصدي له بإلغائه.
ثانيا : مدى توفيق القانون في صياغته كتشريع جنائي :
سنورد النص ونضع تعليقنا وفق مانفهمه بنهاية كل فقرة من النص المانع .
النص : ويُمنع من الترشيح لمجلس النواب كل مِن :
- المحكوم عليه بعقوبة جناية حتى وإنْ صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة أو رُدَّ إليه اعتباره.
ويعتبر النص هنا مانعا منعاًمؤبدا وحرمانا مدى الحياة لمن عوقب في جناية ولو رُد له اعتبارة بمرسوم ملكي ، مالم يكن العفو بقانون حيث تنمحي آثار الجريمة من سجل الاذي يصدر لصالحه عفو عام وهوز مايعيب النص بالشطط والتعسف.
2- المحكوم عليه بعقوبة الحبس في الجرائم العمْدية لمدة تزيد على ستة أشهر حتى وإنْ صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة.
# يسري التعليق السابق هنا وبذات التفصيل ولم يطكن المشرع بحاجة لتكرار الحكم وبذلك يكون النص بالإضافة لعيب الشطط معيبا بمخالفة حسن صناعة التشرع لكونه حمّال وجوه من التفسير ,
3- قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلَّة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أيِّ قانون من قوانينها.
والمفهوم هنا أن الحرمان يشمل كل الأعضاء المقيّدين بسجلات الجمعيات التي تم حلها بأحكام قضائية.
4- كل مَن تعمَّد الإضرار أو تعطيل سير الحياة الدستورية أو النيابية، وذلك بإنهاء أو ترْك العمل النيابي بالمجلس، أو تم إسقاط عضويته لذات الأسباب.”
و النص يشمل أعضاء المجالس النيابية الذين استقالوا ، أو اسقطت عضويتهم من المجلس لتلك الأسباب كتعمد التغيّب لعرقلة سير جلسات البرلمان . والنص مطاط بدرجة تجعله ممكن التطبيق على كل فرد ، في حين أنه من المقررقانونا أن التشريع إنما وضع ليخاطب الناس جميعاً على اختلاف مداركهم وثقافاتهم وأفهامهم، ولذلك كان من الواجب أن يتخير الشارع العبارة البسيطة السهلة الواضحة التى يفهمها كل الناس. فلغة التشريع يجب أن تكون واضحة دقيقة. فاللغة المعقدة تجعل القانون مغلقاً، كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل القانون مبهماً. ويجب أن يكون للتشريع لغة فنية خاصة به، يكون كل لفظ فيها موزوناً محدود المعنى.
ولا يجوز أن يتغير معنى اللفظ الواحد باستعماله فى ظروف مختلفة. كما أنه إذا عبر عن معنى بلفظ معين، وجب ألا يتغير هذا اللفظ إذا أريد التعبير عن هذا المعنى مرة أخرى. ولا يتنافى أن تكون لغة التقنين غنية وأن تكون بسيطة تنزل إلى مستوى الجمهور. وتقتضى صفة التحديد أن كل قاعدة قانونية يجب أن تنطوى على حل لمشكلة يثيرها النص، فكل قاعدة تتضمن بالضرورة الإجابة على سؤال ورد بها، فإذا ورد السؤال وانتفت الإجابة عليه أو كانت هذه الإجابة غير وافية أو تسمح بالتأويل والاستنتاج كان النص غير محدد. وتكتسب هذه الصفات أهمية كبيرة فى نظر القانون الجنائى؛ ذلك أن هذا القانون يسوده مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذى يوجب أن تتصف نصوص التجريم بالوضوح وأن تبعد عن الغموض والالتباس. فلا يكفي أن ينص الشارع على تجريم فعل معين ؛ وإنما يجب أن يكون هذا الفعل واضح العناصر على نحو يكفل التحديد الدقيق لماهيته، أما النص على تجريم سلوك يشوب تحديده الإبهام والغموض فإنه يكون غير صالح للتجريم ؛ لمنافاته مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
والوضوح نقيض الغموض ، ويكون نص التجريم غامضاً إذا جهل المشرع بالأفعال التى أَثّمها فلا يكون بيانها واضحاً جلياً ولا تحديدها قاطعاً أو فهمها مستقيماً بل مبهماً خافياً على أوساط الناس، باختلافهم حول فحوى النص العقابى المؤثم لها ودلالته ونطاق تطبيقه وحقيقة ما يرمى إليه، ليصير إنفاذ هذا النص مرتبطاً بمعايير شخصية مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيقه لحقيقة محتواه، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصده محل مراميه الحقيقية وصحيح مضمونه”. وتحديد ماهية الفعل على نحو واضح ودقيق هو فى الواقع قيد على السلطة التشريعية، وتؤدى مخالفة هذه القاعدة إلى أن يكون النص مشوباً بعيب عدم الدستورية لغموضه. وإيضاح ماهية الفعل على نحو واضح ودقيق هو الذى يميز بين التوسع المسموح به فى مدلول هذا الفعل والتوسع الذى يؤدى إلى إضافة أفعال أخرى بما يؤدى إلى خلق جرائم أخرى.
فالقيود التي تفرضها القوانين العقابية على الحرية الشخصية – سواء بطريق مباشر أو غير مباشر – يقتضي أن تُصاغَ أحكامها بما يقطع كل جدل في شأن حقيقة محتواها، ليبلغ اليقين بها حدا يعصمها من الجدل، وبما يحول بين رجال السلطة العامة وتطبيقها بصورة انتقائية، وفق معايير شخصية تخالطها الأهواء، وتنال من الأبرياء لافتقارها إلى الأسس الموضوعية اللازمة لضبطها ؛ ولذلك صار من الحتم أن تُصاغَ النصوص العقابية في حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها مُحكَماً. كما صار من الحتم أن يكون تمييعها محظورا؛ ذلك أن غموض النص العقابي يعني أن يكون مضمونه خافيا على أوساط الناس باختلافهم حول فحواه، ومجال تطبيقه، وحقيقة ما يرمي إليه، فلا يكون معرفا بطريقة قاطعة بالأفعال المنهِي عن ارتكابها، بل مُجهِلا بها ومؤديا إلى انبهامها. كما أن عموم عبارات النصوص العقابية واتساع قوالبها، قد يصرفها إلى غير الأغراض المقصودة منها، وهي تحض دوما على عرقلة حقوق كفلها الدستور، أو تتخذ ذريعة للإخلال بها، وفي مقدمتها حرية التعبير. ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة وتقرير أحوال فرضها هو مما يدخل في نطاق السلطة التقديرية التي يمارسها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، وفق الأسس الموضوعية التي يراها أصون لمصالح الجماعة، وأحفظ لقيمها، إلا أن هذه السلطة حدها قواعد الدستور، ويندرج تحتها ألا يكون أمر التجريم فرطا. وهو ما يتحقق في كل حال كلما كان النص العقابي محملا بأكثر من معنى، مرهقا بأغلال تعدد تأويلاته، مرنا متراميا على ضوء الصيغة التي أفرغ فيها، متغولا – من خلال انفلات عباراته – على حقوق أرساها الدستور، مقتحما ضماناتها، عاصفا بها، حائلا دون تنفسها بغير عائق. وقد حرصت المحكمة الدستورية على التأكيد على هذه القاعدة بقولها: (وحيث إن المادة (19) من الدستور بتأكيدها على كفالة الحرية الشخصية قد جعلتها أصلاً من الأصول والمقومات الدستورية الأساسية، بما مؤداه أن سلطة المشرع في تنظيمه لها مقيد بالحفاظ على وجودها، وألا ينال التنظيم أو التحديد من جوهرها، وألا يضع عليها من القيود ما يعصف بها، وهو ما قررته المادة (31) من الدستور.
وحيث إن القوانين العقابية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً، فإن الدستور قد وضع على تلك القوانين قيوده الصارمة وضوابطه الواضحة، حتى لا يتخذها المشرع العادي وسيلة للتطويح بجوهر الحرية. ومن أهم هذه الضوابط ضرورة أن تكون درجة اليقين التي تنظم أحكام القوانين العقابية في أعلى مستوياتها، وأظهر في هذه القوانين من أية تشريعات أخرى. ويتعين بالتالي – ضماناً لهذه الحرية – أن تكون الأفعال التي تؤثمها محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو انباهمها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها. كما أن غموض مضمون النص العقابي يؤدي إلى أن يُحال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منضبطة، تعين بموجبها أركان كل جريمة، وتقرر بها عقوبتها بما لا خفاء فيه أو لبس، وهي قواعد لا ترخص فيها، وتمثل إطاراً لعملها لا يجوز تجاوزه. ذلك أن الغاية التي يتوخاها الدستور هي أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته في إطار من الضوابط التي قيدها بها. ولازم ذلك أن تكون القيود على الحرية التي تفرضها القوانين العقابية محددة بصورة يقينية ؛ لأنها تدعو المخاطبين بها على الامتثال لها لكي يدافعوا عن حقهم في الحياة، ويدفعوا عن حرياتهم تلك المخاطر التي تعكسها العقوبة، بحيث لا يجوز تجاوز الحدود التي اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لمباشرة الحقوق والحريات التي كفلها، وهو ما يخل في النهاية بالضوابط الجوهرية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة وفقاً لنص المادة (20/ج) من الدستور.
وحيث إن إعلاء الدستور من قدر الحرية الشخصية في المادتين (19) و (31) مؤداه أن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية في شأن دستورية النصوص العقابية يتعين أن تضبطها مقاييس صارمة ومعايير حادة تلتئم وطبيعة هذه النصوص في اتصالها المباشر بالحرية الشخصية، مما يفرض على المشرع الجنائي أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة، سواء في جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان أن لا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية، ولكي تكون العقوبة التي يفرضها في شأن الجريمة تبلور مفهوماً للعدالة يتحدد على ضوء الأغراض الاجتماعية التي تستهدفها، فلا يندرج تحتها مجرد رغبة الجماعة في ملاحقة المتهم، كما لا يسوغ للمشرع أن يجعل من النصوص العقابية شباكاً أو شراكاً يلقيها ليتصيد باتساعها أو بإخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها. ولا يعد الجزاء الجنائي مبرراً إلا إذا كان واجباً لمواجهة ضرورة اجتماعية لها وزنها ومتناسباً مع الفعل المؤثم، فإن جاوز ذلك كان مفرطاً في القسوة مجافياً للعدالة، وأساس ذلك أن شرعية الجزاء – جنائياً كان أم مدنياً أم تأديبياً – مناطها أن يكون هذا الجزاء متناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو حظرها أو قيد مباشرتها. فالأصل في العقوبة هو معقوليتها، فكلما كان الجزاء الجنائي بغيضاً أو عاتياً أو كان متصلا بأفعال لا يسوغ تجريمها أو مجافيا بصورة ظاهرة للحدود التي يكون معها متناسباً مع خطورة الأفعال التي أثمها المشرع، فإنه يفقد مبررات وجوده ويصبح تقييده للحرية الشخصية اعتسافاً.) (الحكم الصادر بتاريخ 2006.6.26 عن المحكمة الدستورية في الدعويين رقم د/3/04 و د/4/04 لسنة (2) قضائية.)
وبإعمال ما تقدم على والقانون محل الدراسة ، وتحديدا الفقرة 4 – التي تنص على أن ” كل مَن تعمَّد الإضرار أو تعطيل سير الحياة الدستورية أو النيابية، وذلك بإنهاء أو ترْك العمل النيابي بالمجلس، أو تم إسقاط عضويته لذات الأسباب.” فهي من الغموض بحيث يمكن أن يكون كل شخص مصداقا لها من خلال القياس وزالتوسع في التفسير ، بمل يُنافي فلسفة التشريع الجنائي لدى الأمم المتمدينة.
المُحامي عبد الله الشملآوي