نظام العدالة الغائب وقواعد الأداء القضائي في البحرين: الشيخ علي سلمان نموذجا

إن التعاطي مع القضاء في البحرين على أنه قضاء لا يختلف عن التورط في قسط من الجريمة والاستهداف. إذا جئنا إلى طريقة إصدار الأحكام، وإذا نظرنا إلى طبيعة الأحكام، وما يبنى عليها من التعاطي الحكومي الرسمي أو غير الرسمي، سنجد أن القضاء في البحرين يمثل نظاما من أنظمة الجريمة والفساد.

القضاء الذي يقوم على هيمنة قرار السلطة التنفيذية، بل القضاء الذي يصدر الأحكام بحسب ما يصله من أرقام مطلوبة وأعداد سنوات، يمثل كارثة في بنية الدولة، خطورة بالغة، والاحتماء به هو احتماء عن الرمضاء بالنار!

قضاء يشارك فيه القاضي بتعذيب المتهم، ثم يعاد من قاعة المحكمة إلى مقر التعذيب، قضاء لا يسمح فيه للمتهم بالكلام، بل تكال في محضره قائمة من الشتائم والتهديدات، ثم يسمع الرقم المطلوب من عدد السنوات المحكوم بها. لا يمكن الركون أبدا إلى هذا النوع من القضاء، لاسيما في هذا العقد الأخير، العقد الذي يمثل نظام المملكة الدستورية التي تدار وفقا لقواعد الشراكة والديمقراطية والحرية!

هذا العقد الذي تبدلت فيه سنخية الأحكام وأعدادها ومساحاتها ومُددها عما كانت عليه في عهد الدولة البحرينية. الأحكام القاسية التي كانت تحكم فترة الدولة أصبحت أمنية يتمناها معتقلو فترة المملكة. آنذاك كانت تتراوح بين السنوات والعقود، وهي تتراوح حاليا بين العقود والقرون، إضافة إلى محافظتها على السنوات أيضا.

الحكم القضائي في البحرين لا يمثل ضمانة، كما لا يمثل إدانة، ولا قيمة له قانونية ولا سياسية. ببساطة إن الحكم بالجريمة وتحميل الإنسان قسطا ضخما من السنوات والعذابات قد يتغير دفعة واحدة حينما تتغير الظروف وحينما تعود غير مؤاتية، حينها تتغير اللغة والأدبيات بما فيها أدبيات القانون، لا نتكلم هنا عن أدبيات السياسية والمكرمات والعفو وقاعدة عفا الله عما سلف! بل نتكلم عن لغة قانونية تضطر الدولة إلى توصيف الواقع القانوني من خلالها بأنه واقع ظالم مجحف ممنهج كما هي بعض أدبيات تقرير بسيوني..في الأدبيات السياسية سنعود كلنا أبناء وطن! لكن المقاربة في لغة القانون ستكشف فضيحة تضطر الدولة إلى الإقرار بها وربما إلى التضحية ببعض الأدوات القائمة على هذا الاضطهاد الممنهج، هذا إذن هو حال الإدانة في القضاء البحريني.

وأما الضمانة في أحكام القضاء البحريني فهي أسوأ حالا من الإدانة، الإدانة ستكون أكثر استقرارا ما دامت الأمور مؤاتية وما لم تكن هناك منغصات إقليمية، بينما الضمانة فإنها متحركة غير قارة ولا مستقرة.. لهذا فإن أي دعوة للوثوق بنظام القضاء في البحرين هي دعوة إلى الارتماء في وسط النار. هنا يمكن أن تأخذ جولة سريعة على أحكام البراءة، على العفو، على إسقاط التهم، على العقوبات البديلة، وعلى خلو السجلات من أي قضية. كل واحدة واحدة من هذه المحطات وغيرها تضم كمية مهمة من الأمثلة والأحكام والآلام والأسماء البحرينية التي قضى بعضها وبقي البعض الآخر في السجن أو يترقب السجن.

البراءة في البحرين لا تساوي الحبر الذي تكتب به، بل هي في كثير من الحالات تكون أحد أمرين: تارة تكون رسائل ابتزاز يراد من خلالها لجم أي صوت حر يريد أن يوصل ظلامة الناس! وتارة أخرى تكون فخا يراد من خلاله الوصول إلى الشخص المستهدف! تم تبرئة الشيخ علي سلمان ثم تحولت البراءة بقدرة قادر إلى السجن مدى الحياة. سماحة الشيخ علي سلمان يكمل عامه التاسع خلف القضبان مواسيا إخوته الأسرى والمعتقلين. سنخ خطابه يتضمن كما هائلا من أدلة البراءة، وهكذا كان وهكذا حكمت المحكمة، فلماذا إذن هذه السنوات العجاف التسع؟ لا لشيء إلا لأمرين: أن السلطة لا تتحمل وجود خطاب سياسي مستقل، يدافع عن الحقوق ويطالب بالشراكة، وأن الاختلاف المستأنف مع دولة قطر يستدعي تقديم كبش فداء فكان هو كبش الفداء!

العفو وإسقاط التهم والوعود بالرجوع الآمن إلى البحرين كلها حيل تتبخر سرعان ما يقع الشخص المطلوب في قبضة السلطة، حسين جواد برويز لم تكن عودته آمنة، لا هو ولا حسن عبد علي لم ينفعه خلو سجله من القضايا، علي الشويخ لم يكن هناك مبرر لقبول لجوئه بنظر هولندا لهذا كانت أبواب السجن في البحرين تسعه وتستقبله، وهكذا هو الحال في تقديم بعض التسهيلات الكيدية التي توحي باستقرار الإجراءات وأن المواطن يحظى بحقوقه أو أن معاملاته في أجهزة الدولة جارية فهو إذن آمن، هكذا كان الشيخ زهير عاشور حيث جدد جواز سفره وقاده هذا الجواز إلى السجن مدى الحياة.

نظام القضاء هذا ليته كان يقتصر على عدم الفصل بين السلطتين، بل الأمر الأشد شناعة أن نظام القضاء تصدر باسمه تصريحات شبه رسمية على لسان بعض الوزراء بل على لسان الإعلاميين، بل صار الإعلام أو البرلمان هو المؤشر على توجه السلطة إلى استخدامه في أي قمعة جديدة أو أي أحكام تصدر ضد هذا المعارض أو ضد تلك الجهة السياسية.

إذا صادف أن كنت سجينا ستكون لك صداقتك الخاصة، العلاقات العامة التي تفرضها هذه السابقة ولو كنت بريئا أو مبرئا ستمنحك فرص الاستضافة المتكررة لدى الداخلية كما كان هو حال بعض المفرج عنهم في فترة التسعينات، أنت بريئ، وهذه براءة! ولكن أي كتابة نجدها مخطوطة على الجدران فإن أجياب الشرطة لن تدخل القرية مباشرة إلا باتجاه بيتك أنت من دون التحقيق والبحث عمن خط هذه العبارات. صحيح هذه براءة ولكن في أي بلد؟ وأي سلطة قضائية؟ عليك أن تفكر وتكون موضوعيا، البراءة التي صدرت منذ أكثر من ثلاثين سنة قد تكون سببا لإيذائك عند مدخل كل دولة خليجية وإرجاعك من ثم من حيث أتيت! المنع ليس من عندنا بل من قوائم أرسلتها البحرين، والبحرين: لا لا أنت بريئ ما عليك شي!

لكل ذلك هناك حاجة إلى قراءة الأحكام القضائية في ظل الجهة التي تصدرها. إن الاكتفاء في تقييم الأحكام بما تحمله من دلالات مطمئنة هو سذاجة وحماقة لا تصدر من جهة وازنة. الأنظمة القضائية ليست واحدة، البراءة في نظام قضائي من هذه الشاكلة هو أخطر بكثير من حكم الإدانة في دولة ديمقراطية مثل بريطانيا أو غيرها، وله مؤشرات في غاية الخطورة والأهمية.

د. الشيخ علي الكربابادي

22 ديسمبر 2023م