واقع حرية التعبير والتجمع السلمي في البحرين

10 ديسمبر 2023

المقدمة

تقوم حكومة البحرين بتقييد الحق في حرية الرأي والتعبير بشكل تعسفي من خلال التدابير الأمنية والتشريعات.  تزايدت هذه الأساليب في أعقاب انتفاضة 2011 حيث أدت بشكل منهجي إلى تضييق المساحة المتاحة للمعارضة والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان للتعبير عن آرائهم بحرية. نفذت الحكومة انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الانسان اثناء قمع التجمعات السلمية التي كانت تطالب بإصلاحات واسعة في البلاد. منذ ذلك الحين، اعتقلت السلطات مئات الأفراد بسبب تعبيرهم عن آرائهم عبر الإنترنت أو مشاركتهم في مسيرات أو مظاهرات للمطالبة بحقوقهم السياسية والمدنية.  ومن أبرز الأشخاص المعتقلين قيادات المعارضة ومنهم الأمين العام لجمعية الوفاق التي حلتها السلطات وهو الشيخ علي سلمان الذي يقضي حكم بالسجن المؤبد، إضافة الى الأستاذ حسن مشيمع والأستاذ عبد الوهاب حسين والدكتور عبدالجليل السنكيس، اضافة الى رجال دين بارزين مثل الشيخ عبد الجليل المقداد والشيخ محمد حبيب المقداد والحقوقي عبدالهادي الخواجه وغيرهم.

خلال حملة القمع التي تلت عام 2011، تم تجريد البحرينيين من جنسيتهم بسبب ممارستهم حرية التعبير. وتم ترحيل رجال الدين والناشطين والبرلمانيين السابقين قسراً، مثل جواد فيروز، النائب السابق ومدير منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان. كما يتعرض الصحفيون والإعلاميون والناشطون الذين مارسوا حقهم في التعبير عن الرأي عبر منصات التواصل الاجتماعي للسجن.

لقد تم تجريم حرية التعبير على مدى العقد الماضي في البحرين، مع تنفيذ التشريعات والقيود الصارمة التي تعمل على إسكات النشطاء والصحفيين والسياسيين والزعماء الدينيين. على سبيل المثال، تجرم المادة 216 من قانون العقوبات البحريني الإهانات العلنية الموجهة إلى مجلس الوطني أو الهيئات الأخرى، مثل الجيش أو المحاكم أو السلطات أو الخدمات العامة، ويعاقب عليها بالسجن أو الغرامات. سيتم تفصيل القوانين الأخرى التي تساهم في القيود المفروضة على حرية التعبير أدناه.

 

تشمل الانتهاكات الأخرى الأخيرة ما يلي:

  • استدعت التحقيقات الجنائية في البحرين بتاريخ 30 يناير 2020 الباحث والمحقق التاريخي جاسم حسين آل عباس بعد نشره معلومات تاريخيه على مدونته “سنوات الجريش” والتي باشر في الكتابة فيها منذ عام 2008، وتم اتهامه ب “نشر معلومات مغلوطة”. في 10 نوفمبر 2023 تم اعتقاله مرة اخرى بعد استدعائه للتحقيق وأفرج عنه بعد أسبوع.
  • في 21 يوليو 2020 تم اعتقال الباحث والأكاديمي الدكتور نادر كاظم سجنه لمدة أسبوع على ذمة التحقيق و تم فصله من عمله في جامعة البحرين. د. كاظم له مؤلفات ومشاركات فكرية ناقدة ومحاضرات ويشارك في مؤتمرات على مستوى العالم العربي وحاصل مرتين على المركز الأول في جائزة الكتاب البحريني في عام 2003 و2004.

 

استخدام التشريعات الوطنية لمنع حرية التعبير

تستخدم البحرين ادواتها التشريعية في إصدار قوانين تحظر صراحة التعبير عن الآراء وتفرض عقوبات على من يفعلون ذلك. مثل المادة 133 من قانون العقوبات البحريني” يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات من أذاع عمدا في زمن الحرب أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو عمد إلى دعاية مثيرة وكان من شأن ذلك إلحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن دولة البحرين أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة أو أثار الفزع بين الناس أو إضعاف الجلد في الأمة”.

التشريع البحريني يعاقب من يعبر عن رأيه ويتقد دولة أجنبية وتوجه له تهمة ” إهانة دولة أجنبية” بموجب المادة 215 من قانون العقوبات البحريني “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار من أهان علنا دولة أجنبية أو منظمة دولية لها مقر في دولة البحرين أو رئيسها أو ممثلها لدى الدولة ، وكذلك من أهان علنا علمها أو شعارها الرسمي”. كما ان هناك تشريع آخر يعاقب من ينتقد احدى الوزارات او الهيئات التابعة للدولة وتوجه لمن يعبر عن رأيه حول هذا الموضوع تهمة ”إهانة الهيئات النظامية” بموجب المادة 216 يعاقب بالحبس أو بالغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية المجلس الوطني أو غيره من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة . إضافة للمواد (160) الترويج لتغيير نظام الدولة بالقوة (165) التحريض على كراهية النظام  ( 173 ) التحريض على عدم الانقياد للقوانين ( 214) إهانة الملك أو علم الدولة أو شعارها الوطني

 

حظر المسيرات و التجمعات السلمية

منذ عام 2015، حظرت البحرين جميع أنواع التجمعات السياسية بصدور المرسوم بقانون رقم (22) لسنة 2013 بتعديل المرسوم بقانون رقم (18) لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات. وتنص المادة الأولى من المرسوم على أنه “يحظر تنظيم المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات أو الاعتصامات في مدينة المنامة”. ومن الناحية العملية، يتم التعامل مع المسيرات والتجمعات على أنها غير قانونية ويمكن قمعها. وقد تم حتى الآن رفض جميع طلبات الترخيص بعقد التجمعات المقدمة إلى مراكز الشرطة، مما يشكل انتهاكا للمادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن “لكل شخص الحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات”.

سحقت السلطات البحرينية جميع مظاهر الحراك المدني وحق المواطنين والمجتمع في المشاركة في إدارة الشؤون العامة حيث عملت على اغلاق أكثر من 30 جمعية أهلية وسياسية مثل حل جمعية التوعية الإسلامية بقرار إداري من وزير العمل والتنمية الاجتماعية رقم”59” لسنة 2016 و حل جمعية الرسالة الإسلامية بقرار إداري من وزير العمل والتنمية الاجتماعية رقم “60” لسنة 2016.

 

غياب الاعلام والصحافة المستقلة

السلطات البحرينية تحتكر جميع وسائل الاعلام، الإذاعي، المرئي والصحافة. تشكل أربع صحف تحديدا (الوطن؛ البلاد؛ الأيام؛ أخبار الخليج) أداة لبث سياسة الحكومة البحرينية، وهي في خدمة الحكومة لاستهداف أي رأي معارض.

من خلال مراقبة آلاف المواد الإعلامية، وجدت منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان أن خطاب الكراهية موجه على شريحة كبيرة من المجتمع، خاصة الشيعة حيث تستعمل عبارات خطيرة “كخونة”، “عملاء” و“ارهابيين”. بالإضافة الى ذلك، تنتشر الحملات الالكترونية الواسعة والمبرمجة التي يدعمها الذباب الإلكتروني التابع معظمها لحكومة البحرين بالإضافة الى حكومات خليجية أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي.

كانت هنالك صحيفة وحيدة مستقلة في البحرين، وهي صحيفة الوسط حيث قامت السلطات البحرينية بإغلاقها بقرار إداري. هذا القرار يخرق الدستور البحريني في مادته 24 والقانون المحلي في مادته 28 الذي لا يجيز إغلاق أي صحيفة دون قرار قضائي فضلا عن أنه لا يستند إلى معطيات حقيقيه ويتعارض مع المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحرية الرأي والتعبير والصحافة التي وقعت السلطة عليها.

 

مصادرة الحق السياسي

تم حل الجمعيات السياسية المعارضة، وأبرزها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية سنة 2016 وجمعية “العمل الوطني الديموقراطي” (“وعد”) المعارضة سنة 2017 وجمعية العمل الإسلامي سنة 2012، حيث تم من خلال هذه الممارسات القضاء على العمل السياسي المنظم في البحرين الذي يمثل ركيزة أساسية للديمقراطية في البلاد.

تستخدم حكومة البحرين أشكالاً من العزل السياسي لحرمان المعارضين من حقوقهم السياسية، وذلك من خلال تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية  وقانون الجمعيات والأندية الاجتماعية  والثقافية  والهيئات الخاصة والعامة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة الصادر بالمرسوم بقانون رقم 21 لسنة 1989 والتعديلات التي أجريت عليه لاحقاً والتي  اشترطت في أن يكون عضو مجلس الإدارة متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية (أعضاء الجمعيات السياسية المنحلة لا يتمتعون بحقوقهم السياسية مدى الحياة) , وعدم التجاوز في تنفيذ القانون – المنتهك لحقوق الأفراد أساساً – وذلك بالتوسع في تنفيذه على القيادات والأعضاء الفاعلين وغير الفاعلين في الجمعيات المنحلة.

تم تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية عام 2018 بموجب القانون رقم 25 لسنة 2018 لمنع عدد كبير من المواطنين من حق التصويت والترشح في انتخابات 2018 في عملية واسعة هدفت في الأساس إلى مصادرة الحقوق السياسية عبر عزل سياسي ضد كل أعضاء الجمعيات السياسية. ثم اتبعه بتعديل آخر في ذات السنة على قانون الجمعيات والأندية حمل الرقم 36، بوضع شرط جديد على المترشحين لشغل إدارات الجمعيات والأندية بأن يكونوا متمتعين بحقوقهم السياسية.

حيث جاء في المادة الأولى من القانون رقم (25) لسنة 2018 بتعديل المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية أنه “يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية، النص الآتي:

ويمنع من الترشيح لمجلس النواب كل من:

  • المحكوم عليه بعقوبة جناية حتى وإن صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة أو رد إليه اعتباره.
  • المحكوم عليه بعقوبة الحبس فى الجرائم العمدية لمدة تزيد على ستة أشهر حتى وإن صدر بشأنه عفو خاص عن العقوبة.
  • قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أي قانون من قوانينها.
  • كل من تعمد الإضرار أو تعطيل سير الحياة الدستورية أو النيابية وذبك بإنهاء أو ترك العمل النيابي بالمجلس أو تم إسقاط عضويته لذات الأسباب.

لذا وفي ضوء ذلك تم استبعاد الاف المواطنين في البحرين من حق الانتخاب والترشح في الانتخابات.

الخلاصة

حكومة البحرين تنتهك حقوق الإنسان وتفشل في احترام المعاهدات والمواثيق والتشريعات الحقوقية الدولية التي تصون وتحمي حرية التعبير. مازالت التشريعات البحرينية تحتوي على مواد وقوانين تخالف الدستور البحريني وتخالف شرعة حقوق الانسان والمعاهدات الحقوقية الدولية. مازالت البحرين تعاقب عدد من مخالفيها بإسقاط جنسياتهم لممارسة حقهم في حرية التعبير. كما أن السلطات البحرينية مستمرة في حرمان فئة كبيرة من المواطنين من ممارسة حقهم السياسي بعد حل الجمعيات السياسية المعارضة واعتقال زعمائها. إضافة الى احتكار الحكومة جميع وسائل الاعلام، حيث لا يوجد قانون للإعلام والصحافة معاصر. كما تلاحق من يعبر عن رأيه في وسائل التواصل الاجتماعي عبر قوانين و تشريعات تجرم حرية التعبير.